التوجه القيومي ونظرية المناسبة
التعلّقية
تمكّن (GG) من خلال آراء عامة محكمة التنظير في
اشتغال اللغات وتصنيفها في لغة من لغات الكلمة كالفرنسية مثلا، من تطوير
نظريته في نشأة التفكير في نظام الكلمة. إذ تطلق التقاليد
اللسانية على الكلمات اسم "أقسام الكلام" وتعرّفها على العموم حسب
معايير دلالية وصرفية وإعرابية، مع التشبّث بوصف "حقائق الخطاب (faits de discours).
فبالنسبة
إلى (GG) ، يعتبر
الخطاب نشاطا ذهنيا لموضوع الحديث أكان (كلاما صامتا، شفويا، مكتوبا، وهو، لبحثه
في العبارة، ليس له خيار سوى الغوص في مصادر توكل إليها معرفته للسان، بواسطتها
تكون الكلمات حاملة لإمكانيات تعالقاتها التركيبية في الْمَقْوَلَة. فإذا ما اردنا
ان نكون لسانيين مكتملين فلا يمكننا الاكتفاء بوصف حقائق الخطاب على غرار النحو
التقليدي، أو مثل النحو البنيوي الحالي؛ فعلينا أن نبحث مليا لمعرفة كيف تمّ بناء هذه
الكلمات وبحسب أيّ المبادئ أجريت مَقْوَلَتها لتعطي نشاطا مثل هذا النشاط الخطابي[1].
يتكوّن المنهج المطلوب من مدّ وزجر بين الملاحظة والتفكير، ولذلك فبالعودة
إلى المعطيات تعتبرالكلمة الأخيرة، لإختبار تبنّي التفسير الحاصل[2] والمتمثل
في "نفسّر حسب فهمنا ونفهم حسب ملاحظتنا" (LSL، ص272).
فأقسام الكلام في اللغات الاشتقاقية (déclinaison)،
حيث وسمهاها النحاة القدامى بهذه التسمية، كانت كلمات شبه متساوية في المعالجة
سواء أكان ذلك في اللسان أم في الخطاب. فقد لاحظ (J.
Stefanini)
JS)) أنّه لاتوجد كلمة تحدّد الذئب (le loup) في اللاتينية، إذ لا توجد إلاّ كلمات
مشتقّة من نفس الأساس المعجمي. وأوائل المفكّرين الذين اعترضهم هذا المشكل لم
يدرسوه، وإن كان هذا هو ما سيشتدّ حوله التفكير، أي الوجود النظري للمقابلة
لسان/خطاب: فلم يتطرّقوا للكلمات إلاّ من جهة اعتبارها "أقسام كلام".
وفي لغة غير اشتقاقية مثل الفرنسية تكون الآثار مختلفة. ويتمثّل المشكل المطروح في
معرفة الطريقة التي بها تعرّف الكلمة في الخطاب ما دامت تقدّم في صيغ مختلفة.
فالمركّبات الخطابية المتحرّكة المتكوّنة من كلمات (والتي نسمّيها "مركّبات (groupes) تحيل على أشكالها لا على وظائفها، وذلك
ما حدا بنا إلى تمييز "المركب" من "العبارة" syntagme))، من
خلال وظيفة مساوية لوظيفة كلمات اللسان، وموسومة بظاهرة الإبدال:
زيـــد/هــو/طفل
جارتنا المقابلة،
اسم
علم، ضمير، مركّب اسمي.
بلطف/بأناقة
واضحة/ دون أن يشكّ في ما ينتظره:
ظرف
"في اللســـان"، مركّب حرفي له قيمة الظرف في الخطاب، يسمح على سبيل
المثال، السماح بالتسليم بأنّه بالانتقال من اللسان إلى الخطاب تخضع الكلمات
لمعالجة يجب تفكيك آليتها لمعرفة بأيّ المبادئ يقع هذا التحوّل. ولهذا يمكننا إذاً
الحديث عن "كلمات اللسان" (mots de langue) و"كلمات الخطاب" (mots de discours) وعن
"أقسام اللسان" parties
de langue)) و"أقسام
الخطاب" (parties de discours)،
ولذلك فإنّ العبارات نظرا للحال المذكورة لاتحدّد نفس الحقيقة اللسانية، إلاّ أنّ
ذلك لم يمنع عدد من أتباع (GG) وحتّى (GG) نفسه، في بعض الأحيان من الحديث عن
"أقسام الكلام حيث يتطلّب السياق الحديث عن أقسام اللسان، بمقدرما أنّ اللجوء
آليا إلى التسمية القديمة حاضر بقوة.
تشكّل الكلمات أو أقسام اللسان، على سيتها تقؤيبا على أنّها
مداخل، أو كيانات لها قيمة مقولية في قاموس، حسب النظرية القيومية, نظاما مُبَنْيَنًا (système structuré) به
يجب اكتشاف "تمثّل البنية" (idéation de structure) (Boone et Joly، ص217) من حيث، الآلية المكوّنة
ودلالتها لغاية
"الفهم" (comprendre) (هذا المفهوم أساسي في
النفسية النظامية)[3] فبحسب
أيّ المبادئ تتمّ ُصُوِّرَ أقسام اللسان المذكورة، وما هي طبيعتها الحقيقية ، وحسب أيّ مبادئ أخرى تتحدّد اختياراتها ومتى،
أَمِنْ
أجل احتياجات العبارة إذ جعلوها تتجاوز قيمتها الافتراضية[4] في
اللسان إلى استعمالها الفعّال في الخطاب معية،
أم من أجل نتيجة ملموسة أي عدد غير محصور من التراكيب الخطابية يجري على عدد نهائي
من كلمات اللسان، وذلك ما يخلق الاقتصاد في النظام ويسمح بتوليد اللغة؟.
هنا تكمن الفكرة التي ابتكرها (GG) بالمقارنة مع (saussure). ولهذا على الأقل نجد في (دروس في
اللسانيات العامّة، ص38-39)،
"اللسان هو الموضوع الوحيد للغة" وذلك ما لم يمنع السعي إلى إنشاء
لسانيات الكلام (parole). ولكنّه يلقي كلّ رباط بينهما.
ونجد نفس الشيء عند (Benveniste)،
الذي أوجد فجوة بين السيميائية والدلالة (أنظر "الشكل والمعنى
في اللغة"1974، ص224).
وفي نفس النسق الفكري اعتبر Tesnière) 1952، 1982، ص34) أنّ
الإعراب مستقلّ بالمقارنة مع الصرف. ويبذل البنيويون والتوليديون مجهودا كبيرا على
غرار (Tesnière) ولكن حسب إجراءات أكثر دقّة لإيجاد
"النظام البنائي الكامن في خطّية الخطاب". ولكنّ النتائج رغم التطوّرات
تبقى وصفية. فبالنسبة إلى (GG) لايمكن أن يفهم نشاط الخطاب اي الكلام
عند saussure)) إلاّ على هذا الوجه، وبمراقبة هذا الأخير،
نصل إلى كشف نظام اللسان الذي يشترطه ويسمح به، وعلى هذا الأساس
أعدّ نظريته في الكلمة.
ودون أن ندخل في تفاصيل ذلك، سنتمسّك باختصار بأنّها أي (نظرية الكلمة) تمنح ما به
يمكننا، داخل لغة كالفرنسية مثلا، استنتاج نوعين من الكلمات، كالوحدات
المعجمية mots lexicaux، وهي قائمة مفتوحة، والوحدات
النحوية mots grammaticaux، وهي لائحة مغلقة، جاءت
عند (GG) في "سلسلة مغلقة من الأشكال"،
و"سلسلة غير مغلقة من الأسماء" (LSL، ص273، وLL13، ص131). ولا يوجد شيء أساسي، في
هذه المسألة مقارنة بالنحو التقليدي. وانطلاقا من النظرة التي من خلالها تمثّل
الوحدات المعجمية جذعا "مادّة"، و"مضمونا مفهوميا"،
تلقّى "معالجة نحوية" واضحة صرفيا في عدد من الحالات التمثّلية نحو:
جرى (courir)، السباق (course)، مُطارِد(ة) (courant(e)) بسرعة (couramment)، تُنبئ الفكرة بأنّ نشأة الكلمة (genèse du mot) ذهنيا
تتحقّق وفق حركة مزدوجة: حركة تخصيص (particularization) المفاهيم التي
تمثّلها التجربة الكلّية: أي نشأة المادة، وتولّد المتصوّر (idéogénèse)، وهي "عملية تبيّن" (discernement) للمفاهيم. وحركة تعميم (généralisation) :نشأة الشكل forme وهو تولّد الصيغة (morphogénèse)، وهي "عملية الإدراك" (entendement) التي من خلالها تجري على كلّ مفهوم
متبيّن في تولّد المتصوّرات معالجة نحوية تلحقه بـ"أقسام اللسان" (partie de langue).
وهكذا سنجد أنّ "أقسام اللسان" الموسومة بالأقسام المعجمية، والتي
يُطلق عليها (GG) اسم الأقسام الإسنادية (prédicatives) تتمثل خاصّيتها الأساسية في قدرتها على
التركّب "مباشرة" مع بعضها البعض ولكن حسب انتظام تناسبي تعلّقي
متسلسل (ordre d’incidence
hiérarchisé):
1 ـ الاسم (substantif): الجنس (genre)، العدد الطبيعي الشخص (personne)، الحالة الوظيفية التأليفية، تشمل وظائف الفاعل،
والمفعول، والنعت (attribut) (تختصّ تسمية النعت بمجموعة المفاعيل
ذات البناء المباشر: "الحالة التأليفية") (أنظر الإحالة 10 أعلاه)، يتّسم
الاسم بـمناسبة تعلّقية داخلية (incidence
interne).
2 ـ الصفة: الجنس،
والعدد، الشخص عن طريق المطابقة، ووظائف الوصفية، والنعت، وعطف البيان تتّسم
بـمناسبة تعلّقية خارجية من درجة أولى .
3 ـ الفعل: البناء ، المظهر،
الصيغة ، الزمن، الشخص؛ وهي بالجملة:
أ: صيغة شبه اسمية (مجرّدة من مقولتي الشخص
والزمان): المصدر يتّسم بـمناسبة تعلّقية داخلية في استعمالاته
الاسمية، والفعل المساعدا، في الماضي أو في الحاضر، مناسبة تعلّقية خارجية
من درجة أولى في الاستعمالات الوصفية.
ب: الصيغ الشخصية، والزمانية فسيتّسم بـمناسبة تعلّقية من درجة ثانية.
4
ـ الظرف: هو كلمة جامدة يتّسم بـمناسبة تعلّقية خارجية من درجة ثانية باعتباره
أنّه كلمة مرتبطة بكلمة أولى بل عن تناسب
تعلّقي ثانوي.
فبالنسبة إلى أقسام الكلام النحوية
الموسومة بعدم الإسنادية أو بالتعالي الإسنادي فإنّها "ليست
محكومة فيما بينها بإوالية المناسبة التعلّقية التي تُبَنْيِن أقسام الكلام
الإسنادية، ولكن من الأكيد أن مبدأ المناسبة التعلّقية هو محدّد العلاقة بينها
وبين أقسام اللسان الإسنادية" (Moignet، SLF، ص20) و(الصفحة 21 أسفله).
وبالمقارنة مع النحو التقليدي، يعتبر مفهوم المناسبة التعلّقية هو الشيء الجديد.
ويقوم هذا الجديد على مبدأ مفاده أنّ "الكلام هو الإخبار بشيء حول شيء ما"
وأنّه "لكي توجد لغة ما، يجب أن يوجد في مكان ما، شيئ قد قاله شخص ما حول شيئ
ما أو عن شخص آخر" (يبدو أنّ هذه الصيغة شائعة). وفي نفس النسق الفكري، إذا
ما تفحّصنا الجانب النظري المحض، فإنّ مفهوم المناسبة التعلّقية الذي اضطلع به (GG) "[...] يتسم بسمة الحركية,
وهي بالتأكيد عامة في الكلام، من خلالها يوجد حمل معنوي وإحالة من
الحمل الدلالي (apport) إلى
العماد الدلالي (support) (د.ل2، 1948-1949ت، ص137)، "فالكلمة في
كلّ مظاهرها حمل معنوي يعيّن عمادا دلاليا. فهذا التمييز في جزء
كبير من والإوالية التي تنسب إليه، و المتنتظرة منه، هما ما يكوّنان ما نطلق عليه
تسمية قسم من أقسام الكلام أو بطريقة أخرى هما ما يمقولان الوحدات اللغوية". (ن. م،
ص152).
غالبا
ما يرى (GG) أنّ النحو التقليدي كان قد أدرك وحدّد،
من خلال مفاهيمه، هذا الصنف من التحليل. إذ تؤكّد (الأنحاء القديمة) أنّ الصفة
"مبنية" على الاسم إخبار عن الاسم الموصوف ومعه تحقّق المطابقة في
الجنس والعدد، نحو: un
sourire angélique ، وأن
ّالفعل مبني على الفاعل (إخبار عن الفاعل) إذْ يحدّد المسار المرهونة به،
محقّقا معه المطابقة في الشخص نحو:
un sourire angélique éclaire (son
visage (
وأن
الظرف يُبنى على (الإخبار عن)، (ويحوّر معنى) الصفة،
والفعل، وظرف آخر، أي قضية كاملة، مثل:
magiquement، un
sourire vraiment angélique
éclaira alors, très sensiblement, son
visage.
يُقال
في النحو التقليدي إنّ "sensiblement" "تغيّر
معنى" "الفعل"، وأنّ très" " تغيّر
معنى الظرف "sensiblement" ، وتغيّر "vraiment" معنى الصف angélique" "،
وتغيّر "alors" معنى الفعل، وتحكم magiquement" " كلّ المجموعة لتحديد
الجهة التي بها
يتحقّق
المتكلّم من كلّ مقاصد الجملة، أي ما يسمى هنا بالجهة التقييمية. فالظرف كلمة
مبنية. وترى هذه الأنحاء أيضا أنّ un sourire فاعل للفعل الذي معه تقوم المطابقة
بينهما في مقولة الشخــــــص، وأنّ son
visage المفعول به. ومن المعروف أيضا أنّ
(المركّب) الذي يرد فاعلا و(المركّب) الفعلي ضروريان في تركيب
الجملة، وأنّ "المركّب الفعلي" الحامل لمفعول به (أو
لمفعول أساسي) قد يكون أساسيا وقد لا يكون. تُكوّن Un sourire éclaira son visage الجملة الأساسية في حالة
استعمال فعل متعدّ تعدية مباشرة. وأمّا العناصر الأخرى فينحصر دورها في التكثيف
الدلالي لهذه الجملة الأساسية أو الجملة "النواة".
ماهو الجديد الذي أضافه مفهوم المناسبة التعلّقية؟. بالولوج في نظرية الكلمة، من
حيث هي "شكل نهائي" (forme conclisive) لعملية التعميم، وللمَقْوَلَة الصرفية
الإعرابية للجذع أو المعنم (sémantème) الإفرادي ،إذ
يحدّد[5]
(أي مفهوم المناسبة التعلّقية) في مجال أقسام اللسان الإسنادية
التي تهمّنا في هذا العمل، أنّ العلاقات القائمة بينها تقوم بين كلمة
حمل دلالي (ماة + شكل) وكلمة عماد دلالي (مادّة +
شكل)، وذلك
ما سيحدّد علاقات الشكل وعلاقات المعنى، بالإضافة إلى
فروق خاصّة في انتظام طبيعة العلاقة فضاء/فضاء بالنسبة إلى الصفة
المبنية على الاسم، وعلاقة زمان/فضاء بالنسبة إلى الفعل المبني على الاسم (الإحالة
10 أسفله).
فقد استوفينا من قبلُ، بمجموعة المصطلحات هذه، أنّ طبيعة المناسبة التعلّقية
لن تكون هي نفسها لأنّ علاقة الفعل ذي الصيغة الصحيحة (forme personnelle) بـ"اسم"[6] فاعل
على عكس العلاقة الأخرى ستكوّن جملة، ونفس الشيء يجري على الصفة والصيغ الصحيحة
والوصفية للفعل (مناسبة تعلّقية خارجية من درجة أولى على الأقلّ)، وبالنسبة إلى
الظرف يصبح التركّب أكثر تعقيدا فيما يخصّ طبيعة العلاقة، حسب المستوى
الإعرابي الذي يتدخّل فيه، كأن يكون جزءً من الاسم، أومن الفعل إلخ. (أنظر Moignet SLF، ص16)، ولكنّها بسيطة من جهة
الدرجة: مناسبة تعلّقية خارجية من الدرجة الثانية على الأقل، فعدم التغيّر مرتبطة
بحقيقة أنّ الظرف لا يتناسب تعلّقيا مع كلمة ما وإنّما مع العلاقات بين الكلمات،
أي بمناسبة تعلّقية أولية لا يتحدّد فيها لا الجنس ولا العدد ولا الشخص. وأما فيما
يخصّ الاسم، في علاقته بالصفة، وبالفعل، والظرف، وبالرغم من أنّه حامل للسمة مادّة
+ شكل فإنّه يطبّق مادّته على العماد الدلالي الإعرابي (support syntaxique) أكثر
مما يخصصه شكله الذي يحمل هو الآخر مادّة + شكل، فاكتشاف النظرية
سيشتمل على أنّه أي الاسم يحمل مادّته في مدلوله المعجمي أي طبيعة العماد
الدلالي المُحْبَرِ عنه: أي مرجعه الافتراضي أو الفعّال. ويجري الاسم مادّته على
(ما سيخبر به عن)، وسيحيل على هذا العماد الدلالي الكامن في مدلوله. ومرجعه
الافتراضي هو ما يطلق عليه (GG)
في بعض الأحيان الصورة (l’image) و
يمكنني أن أثيره ذهنيا "بنطق" الكلمة، وذلك أمر سهل الإجراء
بالنسبة إلى الأسماء المحدّدة لحقائق حسّية نحو: طاولة، إنسان، زهرة، فمرجعها
الفعّال كائن كينونة الحقيقة
التي كنت قد تحدّثت بها معيّنة له بواسطة الاسم المولّد للاسم (substantive). فنحن إذن في الخطاب، وتوضّح الحيثيات أنّه إلى هذا الحدّ، في
جملة إجرائية ما (باستثناء الحالات الخاصّة التي يجب أن تُوخذ بعين الاعتبار) قد تمّت
معالجة الاسم بإضافة أداة ما. يُحدّد الاسم، أو يُعيّن، أو يَجري على كائن ذي
طبيعته متوقّعة من خلال مدلوله، انطلاقا من اللسان. فهو ذو مناسبة تعلّقية داخلية
في اللسان، ولكن، بالانتقال من اللسان نحو الخطاب، ينطلق من مناسبة تعلّقية داخلية
افتراضية نحو مناسبة تعلّقية فعّالة. ولذلك يصبح ذا مناسبة تعلّقية خارجية مع
الأداة: "يمكننا قطعا أن نبني على أنّه في لغة مثل الفرنسية، حيث تكون الأداة
في استعمال مستمرّ، يحمل الاسم بالتتالي مناسبة تعلّقية في اللسان، قبلية
وداخلية (داخلية بالنسبة للحمل الدلالي)، متعلّقة بعماد دلالي
مادّي، ومناسبة تعلّقية في الخطاب بعدية وخارجية، متعلّقة بعماد
دلالي شكليّ لا مجال لتحديده إلاّ في الخطاب" (LL21948ـ1949ب،
ص155، المكتوب بالأحرف الكبيرة)[7]. ولكن
هذه المناسبة التعلّقية الخارجية المنطلقة من الاسم نحو الأداة لها لخصوصية
مفادها أنّ العماد الدلالي الأداة شكل محض ستنطبق مادة الاسم عليه. ولتفسير الفرق
بين المناسبة التعلّقية الخارجية للصفة وللاسم (أنظر
الإحالة 9، وقع فيها تبيين هذا الموضوع أكثر من مرّة، وانظر، (د.ل2 1948ـ1949،
ص151، و(د.ل19565ـ1957، ص ص138ـ140، و148ـ149، و153، 155، 209)، نقول
إنّه حيث تكون صفة اللسان في انتَظار اسم الخطاب أي (المناسبة التعلّقية
الخارجية في اللسان), فإنّ العماد الدلالي النهائي والذي عليه سيُحمل المحتوى
المفهومي المحدّد للمطابقة في الجنس والعدد معه، يكون الاسم في اللسان
هو المُنْتَظَرُ من عدّة وجوه:
1)
من خلال المرجع المتحدّث عنه، لامتلاك نفس خصوصيات التعريف الكامنة فيه
(مناسبة تعلّقية مادّية داخلية في اللسان).
2)
من جهة الأداة التي ستؤكّد جنسها في اللسان، والتي سيعيّن عددها
الخطابي في علاقته مع افتراضاتها التسويرية في اللسان (مفاهيم قابلة للعدّ، ثقيلة
وكثيفة ومعالجة احتمالية لهذا المفهوم الأوّلي:
(un /des/du
mouton (s), curé(s)).
وتحت
هذه العلاقة تكون الأداة مُنتظرة، مثل الصفة، من جهة علاماتها إلاّ
أنّها يصرّح بها شكليا، في حين أنّ الصفة لا تعمل إلاّ المطابقة
في الجنس والعدد. زيادة على ذلك، فهي ستحدّد، بشكلها
(un,
le, du, etc.)،
وتلك هي خاصيتها، أي الاتساع الخطابي[8] الذي
من خلاله، يتحقّق مفهوم الإسمية بمقاصد الخطاب، لأنّهما
مرتبطان بهذه
الصيغة، وبموضعه في خطاطة الأداة،
وبقيمته في النظام وبالقيمته التداولية الحاصلة بالأثر المعنوي في السياق
التخطابي.
يوجد في بنية الأداة تقابل
في الجنس، وفي العدد وتقابل في الاتساع. وقد فسّر (GG) ذلك بهذه العبارات "في الأداة
الموجودة في الموتّر II (tension
II)، تتم إعادة تمثيل الموتّر الثنائي بـ /, والجنس والعدد الأسّيان بالتبادل
الصوتي (e/a/e(s)). وفي
الأداة الموجودة في الموتّرI، تتمّ إعادة تمثيل الموتّرI، بالمعدود، والجنس والعدد الأسّيان بتبادل
الحروف المغلقة/الحروف المفتوحة بالإضافة إلى أنّه إذا ما وُجد الجمع، فإنّ له
علامة "s" نحو: (un/une, uns/unes)" (د.ل5،
1956ـ1957، ص 232).
ومن جهة أخرى فمهما كان للاسم مناسبة تعلّقية خارجية في الخطاب، فإنّها
خاصّة. فقد تتطابق الأداة مع الاسم في الجنس، من جهة، وقد
يقبل الاسم من الأداة العدد والاتساع الخطابي من جهة أخرى، في حين أنّ الصفة
لا تقوم إلاّ بمطابقة الاسم الخطابي في الجنس والعدد، مع حملها
لمحتواه المفهومي الذي من خلاله تُبرز خاصية المرجع. فالصفة حمل دلالي مفهومي للاسم
الذي تقع معه في مطابقة، والاسم هو الآخر حمل دلاليّ مفهوميّ للأداة التي تتطابق
معه في الجنس، والأداة حمل دلاليّ مفهوميّ بالنسبة إلى الاسم لمعالجة العدد
والاتّساع الخطابي. ففي صيغة "المخبر عنه" تصف الصفة مرجع
الاسم وتشكّل معه نواة اسمية، ويصف الاسم المرجع المتوقّع من الطبيعة، والجنس
اللغوي، والانتماء إلى قسم من الكلمات باسم صلة العدد. ولكنّ نظام الأداة
والمحدّدات، في الحقيقة، هو المتوقّع للجنس والعدد الفعّال والاتساع الخطابي للاسم
أو الاتّساع الخطابي للنواة الاسمية، و قيمتها المرجعية في القول.
نلاحظ في هذا المجال، من ناحية الاجتياز،
في بناء المركب الاسمي المكثّف بمناسبة تعلّقية وصفية
في
الخطاب،
Un enfant blond
Une enfant
blonde
طفل
وديع
بنت
جميلة
فنسقية
العلاقات وطبيعة التوافق تملي علينا أنّه بحسب الحالة ـ وهي هنا بسبب اسم الجنس،
والجنس والمرجع ـ يوجد في نفس الوقت تولّد العلاقة اسم / أداة، واضعةمقولات
الجنس، والعدد واتّساع الخطابي للاسم، في نفس الوقت الذي تتطابق فيه الصفة مع هذا
الأخير[9].
ويجب أن يعرف القارئ جنس الاسم في اللسان وطبيعته في مادّة العدد
من
حيث (مفهوم
قابلية العدّ، الكثافة (dense)، الثقل ((massive)، وأبعد من ذلك، سيصبح أكثر حدسا، من حيث التعديل
الدلالي الذي يمكن أن تحقّقه أداة ما في اللفظ الدلالي المدروس
(un, des, du mouton(s) etc.)
للإقرار
بـ[مقولات] الجنس والعدد والمحدّد في الخطاب وبالمطابقة، تحت هذه العلاقة، للصفة في
الفرنسية. فالعمليتان، صيغة المطابقات, ومقولتي (الجنس، والعدد) مساعدتان، تكادان
تجريان معا,، ولكنهما منتظمتان على زمن عاملي (temps
opératif) قابل للإدراك في حالات التردّد.
نعرف حينئذ، أهمية اكتساب اللغة، ودور الأداة في إقامة ذاكرة نحوية متصلة
وراثيا بواسطة الكلمات. ونعرف الصعوبات التي يكابدها الأجانب الذين لم يكتسبوا هذه
الإوالية أثناء طفولتهم ودراستهم لإنتاج أحسن المحدّدات، وفي هذا المجال، عندما
يستعملون الفرنسية. نحيل القارئ إلى صفحات قيّمة يفسّر فيها (GG) أنّ
هذه الأسبقية للجنس والعدد والاسم في صلتها بالصفة، أثر للتسلسل المفهومي في الزمن
العامل الذي ينطلق من اللسان إلى الخطاب، لإنشاء علاقة تناسب تعلّقي بين الإسم
والصفة (أنظر
د.ل2 1948ـ1949ب، ص ص150ـ152).
يجب أن نضيف إلى ذلك، أنّ المركّب: اسم + صفة، على خلاف المركّب: محدّد +
اسم، لا يمكن أن يكوّن مركّبا وظيفيا، إلاّ في حالات استثنائية (أنظر Vassant 1993، 1994، 2005).
فأقسام اللسان "غير الإسنادية" أو "فوق الإسنادية" (أنظر (GG) LSL 1964، ص239): "منعدمة
الصيغة ولا مادّة لها، إذ من اللازم أن تكون المادة وقودا
للشكل"، وتُعطي مكانة للنظرية وتساير التطوّر أيضا. فبقدرما أنّها
لا تدخل في الإشكالية التي تحكمنا في هذا العمل، باستثناء الأداة الحرف، إذ لا نهتمّ بهما في هذا المجال. إذ نحيل في
تحليلهما إلى عمل (Moignet) الجاد والمكمّل لعمل قيوم الموسوم بنظامية
اللغة الفرنسية.
فطريقة مثل هذه في معاينة تعريف أقسام اللسان
الإسنادية تسمح بالتنبؤ بعدّة فروع في
العلاقات التناسبية الشكلية في الإعراب. وبالمقابل يسمح (تعريف أقسام اللسان)
باستشفاف اللاتناهي في العلاقات الدلالية وفي الفروق المعنوية المتفرّعة عن كلّ
هذه العلاقات، ممّا جعل مجموعة
أتباع (GG) وCulioli بما أنّهم يشتغلون أيضا على العلاقات المعنوية
في القول انطلاقا من نظرية القول théorie de
l'énonciation التي
تقتضي وجود الأبنية اللغوية والعلاقات بين الفكر واللغة) وهي أمور تمّ تطبيقها
ليتم تحديثها[10].
يمكن أن تنتظم أقسام الكلام الأربعة مع بعضها البعض مباشرة كما تبيّن لنا
النظريـة
Le Fils révolté accuse violemment son
père
إذ لا وجود للحروف، والعلاقات مباشرة ولكن
لندقّق فيها، فلنا عودة، فنحن في الخطاب وأسماء الذوات في هذه الحالة تلتمس
استعمال المخصّص) إذ توسم بالإسنادية بما أنّها ستذكر بعديا (GG د.ل5، 1956ـ1957، ص13) "فتناسبها
التعلّقي ناتج عن الحادثة التي ترويها الجملة" ولذلك وُسمت الأقسام الأُخرى
"بغير الإسنادية" إذ أنّ لها تناسب تعلّقيّ "خارج عن الحدث الذي
تسرده الجملة.
توجد
إشكالية في مجموعة التعريفات المذكورة: إذ أنّ الوظائف المترابطة في اللسان،
وقتيا، حول استعمالات الفعل والصفة والظرف
معزّزة بوقائع، وحتّى وإنْ كانت استعمالات بعض الظروف تلوح غريبة شيئا ما أثناء
التحليل، فإنّ استعمالات "الإسم" فاعلا، ومفعول ونعتا قد قسّمت
تلاميذ قيوم (أنظر
ص1أعلاه، والإحالة 10).
فلماذا؟ ذلك هو السؤال الذي وجدنا له حلاّ في أعمالنا السابقة (الإحالة1أعلاه)، وهو
حلّ يدعو إلى إعادة النظر في بعض النقاط في نظرية المناسبة التعلّقية، وليس ذلك
سوى رأي إضافي من بين الآراء قد يخوّل لنا إعادة النظر (أنظر ص22
أعلاه)[11]. في
الواقع عندما نعود إلى مؤرّخي النحو لمعرفة موقع GG من التقاليد النحوية
القديمة ومدى تقيّده بها، سنجد بصيصا إضافيا لنظرية المناسبة التعلّقية. وذلك ما
يسمح لنا بمواصلة ما نحن بصدده ويمكّننا من الإحاطة بمصادر الإشكاليات التي تطرحها
علينا النظرية.
[1] - المغري
عند (GG)، علاوة على عُمق فكرته وأناقة أسلوبه. وكذلك
بالنسبة إلى هذه الأفكار التي نقوم بتفسيرها بسطحية، سيقول(GG) "[...] ما يهمّ في
اللسانيات هو التعريفات العامّة. وهي وحدها المطابقة للحقيقة. فالشكل نتاج عمليات
ذهنية تحدثه، ولكن لا يمكن إيجاد فكرة صحيحة عن هذا الناتج المذكور، ولا عن
الإمكانيات المُكَثَّفَة فيها إلاّ إذا اكتشفنا في المستوي الخلفي (l’arrière plan) التطوّر الذي يختزلها وما هو
مصدر قيمتها والاستثمار الذي سيحصل بعدُ" (د.ل12، (1938-1939)، ص133).
[2] - في هذا المجال يقول (GG) "فالسمات المكوّنة
لقوّته هي السمات الداخلة في مساره, والطريقة التي نسعى إليها [...] للتخصيص،
ولإضافة ما يحكم به سلامته, بأن يصبح على الدوام، في نطاق الذهاب والإياب الذي يستوجبه
انطلاقا من المحسوس إلى المجرّد والعكس بالعكس, حتى ينتهي إلى المحسوس: فلا يعطي
أيّة نظرة ذهنية أكثر من حقيقة مغلوطة"(نحدّد LSL، ص222).
[3] - "هذه
الكلمة منظّر لها في مسيرتي التعليمية وتعني أعلى درجات الفهم. ففحوى النظرية
يتمثّل في أفضلية الفهم. ولهذا فإنّ ابتغاء إكمال الفهم يتمثّل في امتلاكنا لأشياء
يحكمها التنظير." (د.ل5، ص3). و(Boone et Joly، ص426).
[4] - في دروس السنة
الدراسية (49- 50أ)( د.ل4، ص201) يفسّر (GG) "[...] نظرية أقسام
الكلام[...] بأنّها لاتستقرّ بدقّة و بسهولة إلاّ إذا ما استدعينا العامل الأساسي
الذي هو المناسبة التعلّقية الافتراضية للكلمات. فنظامية هذه المناسبة التعلّقية
الافتراضية كالتالي:[...]" نحيل القارئ الفضولي إلى قراءة الكاتب في النصّ
الأصلي.
[5] - تخلّص استشهادات
قيوم المبيّنة لأغلب مزاعمه – من أجل أغراض البحث - في انتظار تقديم الجانب
التاريخي, في انتظار الولوج إلى الجانب التاريخي (ص22, أعلاه، في النسخة
الأصلية).
[6] - نضع بين ظفرين،
الكلمات التي تطرح مشكلة أو الكلمات ذات القيمة الوصفية المتعلّقة بالتوجه النظري
الذي يحدّد الاستعمال. فالمزدوجتان اللتان تطوّقان الإسم تجلبان النظر إلى معرفة
إن كان الفاعل، (ونفس المسألة يقع فيها المفعول به والنعت attribut (حالة تأليفية))، اسما أو
مركّبا اسميا أو أيّ شيئ آخر. وتتمثّل المسألة الأخرى في كيفية
المصالحة بين "المناسبة التعلّقية الداخلية" للاسم ووظيفة
المفعول المباشر بما في ذلك التي تقتضي مناسبة تعلّقية خارجية كغيره من المفاعيل
كما تحدّد تسميته (أنظرص30 أسفله في النسخة
الأصلية). نشير إلى أنّ (R.Valin)
في مقال غير مؤرّخ ظهر في (L'envers
des mots 1994: 383-394)،
قد تجشّم توضيح المشاكل التي تثيرها "الحالة التأليفية cas synaptique بموجب
تحاليل كان (GG) قد اقترحه، وهذه
التحاليل قابلة للنقاش.
[7] - "فبما
أنّ (GG) قد جعل من الأداة عمادا دلاليا للاسم، رأى (M.W 1979، ص90) أنّه بالنسبة
إلى (GG) تعتبر الصفات وحدها المحقّقة لمناسبة
تعلّقية خارجية، دون أن يأخذ بعين الاعتبار تلك الحقائق الأساسية التي بها فرّق (GG) بين الصفة
والأداة إذ أنّ إحداهما تنتمي إلى أقسام الكلام الإسنادية وتنتمي الأخرى إلى أقسام
الكلام المتعالية على الإسناد، فما مدى جدوائية ما سيضيفه (GM) على خُطى (GG) أأنّ أحدهما
يحوّر الاتساع "extension" للاسم، ويسم الآخر الاسم بالما صدق الاستعمالي "extensité" بجعله مقترنا بتحديده" (SLF 1971، ص43)، دون أن يأخذ
بعين الاعتبار أنّ الصفة لا تسمح بأن تكوّن مع لإسم مركّبا وظيفيا وذلك ما سمح
بوجود محدّدات نوعية (أنظر في هذه المسألة Vassant2005، ص64)، فقد صرّح بأنّ "(GG) خلط بين
التعريف والإسناد أو الحمل وبدّد (نركّز على الكلمة) وحدة متعلّقات الاسم"
وهي الوحدة التي سيؤسّسها. وانطلاقا من محادثات حديثة العهد، يبدو أنّه قد تخلّى
عن هذا الموضوع.
[8] - سيتحدّث (GG) عن الاتساع لفترة
طويلة، وسيتضح ذلك على مستوى هذا البحث ضمن الاستشهادات التي سنقدّمها. ولكنّه سيصحّح
معناه فيما بعد. سنعود إلى هذه الخاصية المميزة المذكورة بما أنّها ليست جلية
بالنسبة إلى الكثيرين بقدرما أنّ في تاريخها ستحمل تأويلات تشوّش المعنى (أنظر،
ص27 أعلاه، والإحالة22).
[9] - يفسّر هذا
التشويش في العلاقات مدى الصعوبات التي يقع فيها اللسانيون أثناء تحديدهم لرأس
المركّب الاسمي أهو المحدّد déterminent أم الاسم. والإشكال جاء، في
الحقيقة، من أنّه لم يتمّ تخصيص إن
كانالأمر يتعلّق بتولّد النظام أم بالناتج. (لإرادة التوسّع في هذا الإشكال يرجى
الرجوع إلى Valin) 1981، ص ص52ـ53)،
وCurat) 1999، ص ص72ـ92)،
و( Llinski2003-1، ص ص70ـ71)، و(Melis 1998، ص115).
[10] - 1 ـ فتقديمنا للموضوع سريع، ولكن في الجزء
التاريخي منه استشهادات لقيوم تؤكّد أعماله. 2ـ مجمل الأعمال القيومية تشتمل على
تحليل الآثار المعنوية المنبثقة من تعالق بين مداليل معجمية ونحوية وحتى تداول وصيغية
بين اللسان والخطاب.(أنظر، بالنسبة إلى الظرف أعمال Guimier). ومؤلّف حديث
لـ( Quattara2003) ممتلئ بالتحاليل
السائرة على هذا النحو: ومداخلة Robert المتعلّقة بكشف
الغنى المختفي بين " كثافة l’epaisseur اللسان
وخطّية القول"، ويحمل مؤلّف M.L.Honeste توضيحا جيّدا
حول توزيع المعنى في القول، مرتبط بالمعجم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق