الأحد، 22 فبراير 2015

الكلمة والجملة (الجزء الثالث)

   
  الإسناد والإسنادية: G. Guillaume في ميزان تاريخ النحو من أجل تعريف "أقسام الكلام"

  تعدّدت الأبحاث في تاريخ النحو منذ خمسين سنة، وقد اهتمّت على التوالي بالمسار الطويل الذي، منذ أرسطو (وحتّى قبله) إلى أيامنا، قاد المفكّرين إلى السقوط في دراسات أعاقت التطوّر المنشود، بالمقارنة مع علم اللاهوت، والفلسفة، والمنطق، والأعمال اللغوية، ومع هؤلاء المفكرون، من منظور تمشي نحوي يسعى للاستقلالية شيئا فشيئا، وجاء تعريف أقسام الكلام بالنسبة للغات الهندية الأوروبية الموسومة بلغات الكلمات.
ففي العدد 92، سنة 1988، من مجلّة اللغات الذي خُصّص لدراسة هذه المسألة، ظهرت مشاركات قيمة من بينها مشاركة (J.P. Lagarde) المعنونة بـ"أقسام الكلام في اللسانيات الحديثة والمعاصرة" (الموجود بين الصفحتين 93ـ108). فهذا النصّ يقودنا إلى استنتاج أنّ "هذه الآلية أي (نظرية أقسام الكلام) إبستيمتا حاملة لعيوب جلية [...] تُمنول منذ قرون أحاسيسنا النحوية الغربية" بما أنّها نظرية "قد تسمح بإحراز نتائج هامة بمجهود أدنى، وذلك ما سيفسّر سبب الحفاظ عليها مؤخّرا من قبل أغلب اللسانيين، لافقط من قبل المتأصّلين في الأثر القديم وإنّما أيضا من قبل الذين يتحرّون أفكارا جديدة" (1988، ص106).
   في هذه الدراسة خصّص (Lagarde) لـ (GG)  فقرة موجزة رغم دقّتها كان عنوانها "القسمة القديمة مقبولة لكن بالتنظير"، كشفت النقاب عن خصوصية (GG) من بين معاصريه: مجهوده التنظيري والإبستيمي المتجدّد لما حافظت عليه التقاليد في مظهرها التاريخي الأخير، ممثّلا في النحو المدرسي  والجامعي الموروث عن نحاة القرن التاسع عشر والذي يقترح تحليلا نحويا للكلمات وللقضايا من جهة الطبيعة والوظيفة، بمقاييس شاذّة التعريف تفتقر إلى النظامية. تمسّك (Lagarde) في هذا التنظير بما هو هام من نظرية تولّد الكلمة (تولّد الأفكار، وتولّد الصيغ) إضافة إلى نظرية المناسبة التعلّقية باعتبارها مبدءً ختاميا. فقد ركّز على النظامية المتحقّقة بفضل هذا المبدأ دون استنطاق مقاييس أخرى (إذ لم يكن ذلك مقصده) حول صدق المجموعة المقدّمة سلفا، ولاحول رتبتها تاريخيا.

   والحال أنّ هذا الأفق النظري التاريخي الذي اختفى مبكّرا، والذي كـان (Jean Stefanini) (JS) قد بدأ في بلورته، يعتبر من بين الأسس التي قامت عليها اللسانيات القيومية. فقد جمع أعماله بعض تلاميذه أو أصدقائه في مجلّدين مقترحين مظاهر مختلفة من تفكيره. فقد اكتشافناها من جديد لغرض أساسي تمثّل في متطلّبات هذه المساهمة: فأحدها يتعلّق باللسانيات واللغة الفرنسية". فقد جمع Pascal Bonnefois  نصوصه، وقدّم له Jean Claude Chevaler المنشور سنة (1992)، يضمّ كلّ المقالات التي اهتمّت بالدراسات حول اللغة الفرنسية انطلاقا من مفهومي الآنية والزمانية اللذين استأثرا بجزء كبير من اللسانيات القيومية، وبالخصوص نظرية المناسبة التعلّقية: يتألّف هذا المجلّد من أربعة عشر نصّا، تتدرّج من سنة (1953 إلى 1981)؛ ووُسم المجلّد الثاني بـ"تاريخ النحو"، وجمعت Véronique Xatard نصوصه، وقدّم له Sylvian Auroux، طُبع سنة 1994، يتألّف من 18 مقالا أومعالجة مؤرّخا بالفترة الزمنية المنحصرة بين 1976ـ1985، وهي سنة وفاته. وقد اهتمّ بعدّة مواضيع، منها ما يتعلّق بنحاة أو فلاسفة لغة، من بينهم أرسطو، وفارون، والمودستيين Modistes و Scaliger، وSanctius، ونحاة من القرن السابع عشر، وآخرون من القرن الثامن عشر، مثل Condillac، وDestutt de Tracy، ومن القرن العشرين F. Brunt، ومنها ما يتعلّق بأنحاء القرن السابع عشر والثامن عشر، ومنها ما يتعلّق بمسائل محدّدة في تاريخ النحو أواللغة، كمفهوم الجملة، والضمير...إلخ. وفي كلّ ذلك سجّلت اللسانيات القيومية حضورها من خلال الحركة التاريخية الجامعة.

   فـ (JS)، من خلال نفوذ بصيرته ورحابة نظرته التي أعطته موضعا متميّزا في مفترق تاريخ النحو عامّة وما يُعرف بـ"النظرية النفسية الآلية للغة la psycho-mécanique du langage، دون أن ينسى تعلّقه بالأنحاء البنيوية المعاصرة، وعمــل  M. Gross المعروف القائم على محتوى أعمال قيوم، والذي ستقوم عليه هذه المساهمة. فبفضل أعمال (JS) التي استطعنا السير على خطاها ضمن مجموعة الأعمال المنشورة المهتمة بتاريخ النحو، فإنّ حلّ إحدى المسائل الأخيرة التي تطرحها نظرية المناسبة التعلّقية والمتعلّق بمعرفة على أيّ شيء جرت هذه الصياغة التي جعلناها عنوانا فرعيا للمقال وهي "إيحاء الشيء بشيء آخر أو بذات ما (Dire quelque chose de quelque chose ou de quelqu’un)، فبصورة عامة، قد اقترحوا علينا أنّها مكمن كلّ إنتاج لغوي، ينظر إلى الوحدات اللغوية المتعلّقة بهذه الإنتاجية بانتظام. إلاّ أنّ ذلك جزء من تاريخ هذه الصياغة، وجزء من تأويلها الذي ستنتج عنه بعض النتائج الهامّة المتعلّقة بتعريف أقسام الكلام انطلاقا من نظرية المناسبة التعلّقية، كما سنرى.

   ففي مقال في المجلّد الأول من الكتاب الموسوم بـ"مقدّمة في تاريخ النفسية الآلية" الذي ظهر في الأعمال المهداة إلى R. Valin سنة (1980) ذكر (JSفكر GG من الناحية التاريخية. إذ اطلع على الأعمال التي ظهرت في نفس الفترة وقام بوسمها بوضع المقاربات الأساسية تقديرا لهذا الأخير، ورجوعا إلى أرسطو، ومن خلاله نحو (Port Royal)، ومن ثمّ إلى المودستيين، وإلى أيديولوجيي القرن الثامن عشر، وإلى Dumarsais، و Beauwée، و Condillac، و Sicard، و Destutt de Tracy، و Girault Duvivier، مرورا بـ Meillet، و De Saussure و Benveniste، وبعض المفكّرين مثل Leibnitz. إذ يؤدّي بنا الواحد منهما إلى الآخر، وذلك ما يؤدّي إلى رحابة التمكّن التاريخي للفكر القيومي، فهو يفتح على هذه الحوصلة الموجّهة إلى الباحثين الجدد:

   عزيزي (Roch) إنّي لا أفهم طريقة قبول الأستاذ قيوم للخبر الأخير والذي كان  أهمّ  المودستيين modistes. مع العلم أنّني لا أشكّ في أنّه سيظلّ طيّبا وإن بإحدى ابتساماته أو طُرفه. و هل يمكنه أن يرُدّ من قبلُ بالأقوال القاسية التي تشدّه إلى أحد الرجال الذين سنحاول النظر في مناويلهم باعتبارها قريبة من مذهبه، فـ Humboldet الذي "كان قد عمّم كثيرا من خلال احتمالات ممكنة" دون أن يكون قد وقع في ذلك "إذ لا شيء أو كأنّه لا شيء يظلّ مشروعا" (الدرس2، ص61) والذي كان قد سبق وأن "اعترف بأنّه ينبغي للساني أن يتناول الأعمال اللغوية عند النشأة لا عند النتائج" إلاّ أنّه لم يستطع إنشاء تقنية الملاحظة التي توجب النظرية (الدرس3، ص223ـ224).

  لوضع قيوم في سياقه التاريخي ينبغي لنا أن ننظر إلى مساره التحصيلي، إذ تتلمذ على Meillet، ومن خلاله على Saussure في الدراسات العليا، في كونه وارث النحو العام من جانبه الهام، ومن الأساسي أيضا تحديد أصليته: أي معرفة كونه مؤسس الطريقة التي اعتنت بالمبادئ الأساسية التي هيّأها النحو المقارن" (opcit, p252).
نذكر  في هذا النص ثلاثة افكار اساسية:
  1 ـ قيوم هو آخر المودستيين وأهمّهم.
  2 ـ قيوم وارث النحو العام من جانبه القيّم.
  3 ـ هو الذي خلافا لـ Humboldet، عرف كيف يؤسّس تقنية الملاحظة التي فرضتها النظرية والتي بها يجب تناول المآثر اللغوية بالتولّد لا بالنتائج، وهي الطريقة التي أعطت فاعليتها للمفاهيم الأساسية التي تبلورت مع النحو المقارن.

   طوّر (RV) الفكرة الأخيرة في أحد أعماله (الصادرة 1964). أمّا الفكرتين الأخيرتين نجد المبادئ الموضّحة لها عند (JS) فهذا ما قاله حول الموضوع:

    "[...] ما يشدّ النظر عند قراءة قيوم هو معرفة كيف تقترب أفكاره من أفكار المودستيين، مع العلم أنّه لايمكنه معرفة النحو المودستي في عصره بتاتا ومثله في ذلك النحو العقلي grammaire speculatva المنسوب إلى Thomas d’Erfurt، وإلى Duns Scot، وقريب من ذلك ما عند المودستيين. إذ من الأكيد أنّ نحو أقسام الكلام ليس هو النحو العام بالنسبة إليه وإنّما هو صنف من بين أصناف أخرى، تعرف بلغات الكلمة. ولكن في ما لم يعتبر إلاّ ناحية في النحو بعد أن كان هو المسيطر عالميا دفع (GG) من جانبه بعقلانية القرون الوسطى ففي بعض الملاحظات حول الصفة "يحمل الاسم في ذاته ضمير الغيبة المفرد، وأمّا الصفة فلا تشتمل على مناسبة تعلّقية في ذاتها، إذ تحمل شخصا يبحث خارج ذاته، ويشتمل على رتبة غيرمعيّنه" (الدرس الثالث، ص57). لاستعادة مصطلح Saint-Anselme: فالصفةalbus  تعني البياض وتقترن دلالتها بمن أين استوحى الفرد البياض، ولكن ينبغي إسناد ذلك إلى نظرية أوسع من نظرية الشخص. نجد في نفس الوقت قرابة ضيّقة منهجيا بين الإعراب الموديسي syntaxe modiste والإعراب القيومي: إد يشتركان في نفس الخصائص التي تتسم بها المركّبات الإسنادية وغير الإسنادية، وكذلك خصائص الدلالة significantia والتحقّقات consignificantia  وهو نفس مفهوم الجملة باعتبارها حمل دلالي لعماد دلالي، أو معطى appositum له حدث مفترض حوله suppositum،  أو باعتبارها إنتاجا للافتراضات النسقية الكامنة في أقسام الكلام (بواسطة les modi significandi و المنسوبة عند البعض إلى نظام المناسبات التعلّقية الداخلية، وعند البعض الآخر إلى المناسبة التعلّقية الخارجية). ويشتركون بالخصوص في الاعتقاد بوجود مدلول نحويّ إلى جانب المدلول المعجمي، ويشتركون إجمالا في النشاط الإنشائي للفكر البشري في اللسان [...] إذ يعرف كلّ موديستي أنّه بمحادثتنا لإنسان ما نُنشئ ما لا يمكن أن يوجد على الاطلاق أو ما لمّا يكن بعد أو ما لم يكن قد وُجد ونقدّم نفس الفكرة (فكرة الألم على سبيل المثال) كما لو أنّها كيانا مستمرّا (dolor)، وحدثانا (dolere)، وعرضا (dolorosus) أو تجربة hae!))  . وسنضيف نحن نفس الغموض من جهتنا مدافعين عن لسانيات إحالية: فلئن كانت أطروحة (GG) التي يتّسم فيها الاسم بأنّ مدلوله المعجمي الخاص منتشر، للتعميم في الفضاء الكوني l’univers-espace، في حين أنّ المدلول المعجمي للفعل ينتهي مباشرة إلى الزمن الكوني l’univers-temps، فإنّ بنفنست يعتقد أنّه بالإمكان التعبير عن مصطلحات وقتية بالأسماء وعن حقائق فضائية بالأفعال (1966: 152 sq). أي المزج بين المدلول المعجمي والمدلول النحوي، والدلالة ومادة المدلول" (op. cit., pp251-252).

   لقد حافظنا على تقديم هذه الفقرة كاملة محدّدين بعض المقاصد التي كوّنت اللحمة المحورية بحروف كبيرة، بما أنّها تسفر النّقاب عمّا يقرّب بين (GG) والمودستيين[1] ويُبعده عنهم في نفس الوقت. فقد ناقش أحدهم الآخرين في المقاييس الشكلية (على غرار ما سيفعل كلّ النحاة اللاحقين) وفي التخصيص في الكلم من جهة "افتراضاتها الجدولية" والدور الأول في مَقْوَلَتها نحويا. إلاّ أنّه مثلما حدّد JS)) في مسألة أساسية سنعود إليها (أنظر، ص24 أسفله). "فبعض الملاحظات حول الصفة [...] تبعث تصوّر (Saint-Anselme) [...] ولكن بعد إسنادها إلى نظرية أوسع في الضمائر المنفصلة. وفي انتظار ذلك سنؤكّد أنّه إذا ما توصّل المودستيون إلى تصنيف لأقسام الكلام انطلاقا من "طُرُق معنوية ما"، وذلك نتاج فكر ثقافي عالي التجريد بالمقارنة مع احتمالية أعمال الخطاب، (تلقى هذه العبارة حضورا عندهم بنفس القبول الذي تحظى به عند GG)، بواسطة عملية معقّدة (أنظر الأعمال المذكورة في الإحالة16). فبواسطة فكرة النظام والنظامية التي أخذها عن Meillet، وعن Saussure وذلك ما منحه حركة جديدة (أنظر، ص19أعلاه، وPLT، ص64 "وذلك ما مثّل فجوة في التحليل السوسيري)، وبواسطة إعادة بناء نظام أنظمة يضعه اللسان تحت رعاية الآلية التي من خلالها يمكنه أن يُفهم، ويتّسق ويسمح باشتغال الخطاب، فمن خلال كلّ ذلك يقودنا GG إلى آفاق أكثر وضوح في العلاقة بين اللسان والفكر، وبين ما سيسميه في موضع آخر فكرة تصوّرية (pensée pensante) منشئة للسان وفكرة فكرية (pensée pensée) الناتجة من امتزاج الشكل بالمادة. فبالنسبة إليه

   "[...] لايكمن النظام المتعلّق باللسان في المحتوى المتكون من كل ما يمكن التفكير فيه خارج اللغة وإنّما  يكمن في التناول، الذي من خلاله يتمثُل هذا المحتوى من ناحية التعميم أو الاختزال. فيرتسم النظام من جانب الشكل. وما ليس بنظام من جانب المادة. فهل يمكننا القول بأنّ المادة مكمن الفوضى. فالشكل هو النظام الحاجز للفوضى.

   يظهر النظام في اللسان حيث يكون للفكر اعتماد في تحقّق ذاتي له نفسية اختزالية وعامة. وهذه هي الحال التي يستدعي فيها اللسان الشروط الكونية المتمثّلة في أقسام الكلام. فإذن يوجد نظام: وهو نظام أقسام الكلام. وتلك هي الحال الحسنة للمستويات اللغوية الأخرى. إذ نرى في كلّ مكان، محتوى اللسان يندمج مع مقولات معمّمة ومكوننة" (د.ل3، ص ص39ـ40).

   جمع ناشروا 'مبادئ اللسانيت النظرية PLT الصاددر سنة 1973، في الفصل الثاني صفحات قيّمة خاصّة بقيوم تتعلّق بنظريته في إنشاء الكلمة. فالمقولات المعمّمة الكلية التي سيتحدّث عنها فيما بعد (ص191)، وهي (الصيغة (mode)، الزمن، الشخص الرتبي [...] المحدّدات الموضّحة للفعل"، و"الشخص غير الرتبي ـ ممتنع التعيين ـ المسند إلى الغائب، والمطابق له في الجنس والعدد والحالة الإعرابية (المحدّدة قبليا عندما تكون وظائف الكلمات مستوحاة من الجملة مباشرة دون توسّط أحد الحروف")، بالنسبة إلى الاسم.

      من مقاصدنا أن نحدد المحطة التاريخية للسانيات القيومية، ولكنّ الفكرة الحالية تتمثّل في ما إذا كان ذلك عند أرسطو أيضا، (أنظر مقال J Lallot في نفس العدد92 من مجلّة اللغات عنوانه "أصول نظرية أقسام الكلام وتطوّرها في اليونان" (ص ص11 ـ 22)، فإنّه عند Beauzee (أنظر مقال S Auroux "النحو العام والأسس الفلسفية لأصول الكلمات"( في نفس العدد من مجلّة اللغات، ويمكننا أن نكمّل المقالان المذكوران بالإطّلاع على مقالات جمعها  Swiggers)1986، في، دائرة المعارف)، وكذلك عند المودستيين أوعند الأيديولوجيين، فصياغة الفكرة إذن انتقلت من حسن إلى أحسن انطلاقا من هذا العقد السفسطائي الفلاطوني الذي:

   "[...] لايمكن للكلمات فيه أن تكوّن جملا، أو أقوالا قابلة لأن يُحكم عليها بالصدق أو الكذب إلاّ إذا ما وُجد "مزج" على الأقلّ بين اسم (onoma) معيّن لمتعلّق (pratton)، وفعل (rhema) يحيل على عمل (praxis). فعندما يقع اتّباع أفعال نحو (نام، جرى، مشى) أو أسماء نحو (حصان، أسد، خروف) [...] فإنّنا لا نُنشئ كلاما logos وبالمقابل فبمجرّد ربط اسم بفعل نحو:
ـ جاء زيد.
نكون قد غادرنا مجال التسمية البسيط، نُطلق (legein) على الشيء الذي يُنتج كلاما، "جملة أم قضية" (Lallot، ص14، ما كتب بحروف كبيرة)وإذا ما " تأكّدنا من أنّنا نتحدّث صنفين من الكلمات عند الفلاسفة واللغويين، فلن ينتهي ذلك بمجرّد التأدية، وإذا ما وُجدت أصناف أخرى، فكم عددها، ومن أجل ماذا. ومن هذا المنطلق فالارتجاج مُعطى لزيادة نظامية أقسام الكلام" (ن. م، ص14).                
   و ختم J. Lallot بعد تفسير هذا الاكتشاف بقوله:
"من خلال تمثيل اللسان على أنّه تشكلة نحوية بلا شكل amorphe اسمي onomata، نكون قد انتقلنا مرحليا إلى تصنيفية  taxinomie دقيقة من خلالها تنتمي كلّ كلمة من اللغة اليونانية إلى قسم واحد وواحد فقط من الأقسام الثمانية المسماة بأقسام الكلام (وهذه مسألة أخرى سيناقشها Lallot فيما بعد.
يتمثّل مقياس التصنيف لكلّ كلمة في مطابقتها لـ l’idia ennoia أي اللفظ المحض الذي يعرّف قسما من أقسام الكلام. ويشتمل هذا اللفظ المحض المذكور على معطيات صرفية (مثل حضور العلامات التصريفية أو غيابها، ونقصد العلامات التصريفية الإعرابية flexion casuelles، وعلامات الشخص بالخصوص. ولكن ما ينشئ ذلك بالأساس حسب Apollonlus، هو أن يكون المدلول ذا طبيعة إعرابية دلالية (إذ يعيّن الاسم جوهرا  مع صفة، وتبيّن الأداة الإحالة العائدية l’anaphore لما قد عُرف، ويُسند الظرف إلى الفعل إلخ.). ولذلك فهذا المدلول إذن هو محدّد المقياس الأساسي لوضع الكلمة مكانها" (ص22، ما كُتب بالحروف الكبيرة)

    فذلك إذن هو المدلول النحوي للكلمة الذي تحدّث عنه JS، فـي الاستشهاد السابق الذكر. ولذلك نقرّ في هذا المجال أنّ الاسم يعيّن جوهرا وصفة علاوة على مميّزاته الصرفية الإعرابية.

   تصف الكلمة النحوية grammaticus التي تأخذ وظيفة الصفة أو وظيفة الإسم، عند المودستيين بأنّها تعيّن جوهرا وصفة إذا ما اُعتُبرت اسم ذات في حين أنّها تدلّ على الصفة فقط بتضمّن معنى الإسم الذي تتقمّصه وهي صفة (Stefanini 1994، ص56).

   وتعتبر الأسماء عند Beauzée، أنواعا من الكلمات المعربة التي تمثّل في الذهن كائنات محدّدة بالفكرة المحدّدة لطبيعتها ـ نميّز كلام Beauzée بحروف كبيرة ونقربه من إحدى صياغات GG القائلة بأنّ: "الاسم هو الكلمة التي تنبئ بطبيعة العماد الدلالي الذي ستقبله في اللسان [...]" (د.ل2، 149).ـ "وتكون محدّدة" و تشترك في عبارة العدد بالإضافة إلى أنّه "لايمكن أن تُحسب إلاّ الأفراد" (أنظر GG أيضا في قوله: "انطلاقا من هاتين الخاصّيتين، خاصّيتي الجنس والعدد تعتبر خاصّية العدد هي الفيصل: فما يقبل العدّ اسم" (د.ل15، ص68) ، في حين أنّ الصفات كما يرى Beauzée أيضا "كلمات تمثّل في الذهن كائنات غير محدّدة بما أنّها بكلّ بساطة تفتقر إلى أن تتعلّق ببعض الأسماء كي تستطيع أخذ لواحق محدّدة" (يوجد هذا الكلام في Swiggers) 1986، ص572)، وهذا يقترب ممّا قاله GG حول الصفة أثناء تذكيره بأنها من جهة الشكل تتطابق في الجنس والعدد مع الاسم الحامل لها، إذ يعتبرها كلمة ذات مناسبة تعلّقية خارجية من الدرجة الأولى[2] ، بها تكون المطابقة شكلية خالصة (وذلك ما يفسّر أنّ لغة كالإنكليزية لاتسمها): "فبالصفة نجد حضورا لشروط شكلية تنخزل في شروط المطابقة ـ المطابقة مع عماد دلالي خارجي ـ لايتضمّنه الحمل الدلالي الذي توحي به الصفة" (د. ل3، ص60)، ومع هذا الاختلاف الذي يقتصر على فكر قيوم، يسمح بالإستعانة بالمناسبة التعلّقية لتوحيد مقاييس التعريف، من أجل إيجاد تأليف نقدي حول الموضوع، (أنظر Vassant 1993، وص20 أعلاه، وص29 أسفله).

   وكذلك عندما نقرأ في كتاباته أنّ "الاسم في كلّ حالاته حمل دلالي للدلالة، وينتهى إلى كونه عمادا دلاليا. إنّ جانبا كبيرا من هذه النهاية، والحركة التي تصفها، والمدخر الذي ينشئ ما نسميه أقسام الكلام ـ أو بطريقة أخرى مقولة الكلمة" (د. ل2، ص152)، تستوفي المدى النظري الذي دُرست الظاهرة فيه. مع العلم أنّ الصياغة المذكورة قابلة للانضمام تحت قاسم مشترك، يستعصي عليه وسم الخصائص المختلفة، لكلّ "أقسام الكلام". فهي تحرّر كلّ الاحتمالات الدلالية والأنطولوجية ("وتعيين جوهرا مع صفة"، على سبيل المثال) فجريان النحو التقليدي على هذه الشاكلة هو ما عابه GGوالمراد في ذلك الحين إذن هو مبدأ المناسبة التعلّقية المنطوق والمدرك حدسيا، لمعرفة بأيّة حركية، وفي أيّ لغة خاصّة من لغات الكلمة، يتمقول البحث عن العماد الدلالي لحمل دلالي، ويتوضّح. وكما لو أنّ هذا صدى لما كان قد قاله Beauzée حول الاسم  الذي توقّف معناه على تعيين الكائنات بسبب تضمّنه لمقولة العدد، ولكن بالخروج من هذه الحالة التقريرية للنتائج المتعلّقة بما تشترك فيه الأفراد، لمعرفة كونها مواضيع كلام ـ في نحو Port-Royal يتم اعتبار "مواضيع لأفكارنا" (أنظر Donzé 1963، ص62) ـ أي كائنات بالمعنى النحوي للعبارة، بها نقول شيئا ما، ومن هنا سيطوّر GG نظريته في الشخص (أنظر الملاحظة التي أدلى بها (J. Stefaniniفي (النص المدرج في ص23 أعلاه). وهو نصّ قمنا بتلخيصه في المقدّمة.

   فقد بدأ GG بملاحظة أعمال الخطاب "ففي الخطاب يوجد دائما كلام حول شيء ما [...]" فالعماد الدلالي مُجبر على أن يجد ،الحمل الدلالي، وهو محتوى القول، مناسبته التعلّقية. وقد تحدّث على الأقل عن المحتوى الدلالي (apport de signification). وبما أنّ الصياغة شاملة، وبما أنّنا نشتغل على مستوى الخطاب، نتصوّر أنّ العماد الدلالي بمثابة الفاعل في الجملة وأنّ الحمل الدلالي بمثابة المحمول، وذلك ما يوحي بمفاهيم الألفية نحو:
اســـــم/فعــــل.
« onoma » / « rhema »
الواقــــــع/ المفتـــــرض.
« suppositum »« appositum »         
ثمّ أنّه ينتقل من اعتبارات عامّة بالنسبة إلى ما يستبدل من اللسان والخطاب ويتقاضى عن إدراك أنّه توجد حالات خاصّة: "تتمثّل بالعموم في أنّ الشخص هو العماد الدلالي الذي توحي به الفكرة لربط المحتويات المعنوية التي تحدّدها الفكرة في اللسان". وليست هذه الفكرة لاغية، إذ "الشخص هو العماد الدلالي ـ وهو ينتمي إلى الخطاب ـ والحمل الدلالي يتحدّد في اللسان [...]". وبالمقابل "فالمناسبة التعلّقية التي يستمدّها الحمل الدلالي من العماد الدلالي ـ أو بطريقة أخرى المناسبة التعلّقية للشخص (أي الشخص المنطقي الذي يعتبر متكلّما)- على العكس من ذلك، معرّضة إلى أن لا تكون سوى أثرا خطابيا بعديا". ويلحّ "غير أنّ تحديد "المحاميل" الدلالية يعتبر أثرا لغويا إذ ليس أثرا خطابيا البتة". كلّ ذلك ليجعلنا مهيّئين لدراسة حالة خاصّة هي التالية:

   "فالمناسبة التعلقية في الاسم، أثر لغوي انطلاقا  من الحمل الدلالي، وبواسطة الحمل الدلالي نفسه، يتم الاعلان عن طبيعة العماد الدلالي. فحمل الفكرة  homme ، يعتبر إعلانا عن عماد دلاليّ يحتويه اللفظ المذكور، عماد دلاليّ لايخرج، في الخطاب عمّا تدلّ عليه كلمة  homme  إلزاميا، في اللسان. فبكلّ بساطة لايمكن أن يطلق لفظ  homme  إلاّ على ما يجري عليه الوصف  homme  أو ما كان قد تضمّنه[3]ولكن في الحالة المدروسة، ونقصد حالة الاسم، فإنّ المناسبة التعلّقية ما دامت أثرا لغويا، ليست تامّة، إذ المناسبة التعلّقية لاتتمّ إلاّ في الخطاب. فلا يكفي أن يوحي الحمل الدلاليّ homme  بمناسبة تعلّقية مع عماد دلاليّ سيكون من طبيعة الحمل الدلالي ، وإنّما يجب أيضا أن يتّسم هذا العماد الدلالي في الذهن بالماصدق الذي يجعله مُلائما للمقاصد الوقتية للخطاب. ولمعالجة هذا الماصدق المتعلّق بالعماد الدلالي، والذي لايتحدّد في اللسان وإنّما في الخطاب والخطاب فقط، من الأساسي أن يوجد ناظما للماصدق. وهذا الناظم الماصدقي هو الأداة. هكذا تنتمي الأداة إلى نظام الشخص العام، أي نظام الاعمدة الدلالية الذي تحيل في الخطابات على محاميل دلالية. فلا تكتمل المناسبة التعلّقية المنطلقة من الإسم نحو العماد الدلالي إلاّ بعد دخول الأداة إذن. وهذا ما يوحي بأنّ الأداة بمثابة ضمير له تدخّل عيني أثناء المناسبة التعلّقية بين الحمل الدلالي و العماد الدلالي المختار، لا أثناء تلك المناسبة التعلّقية المغلقة الكاملة. تشارك الأداة في المناسبة التعلّقية بكونها ضميرا متمّما [...]. وذلك ما يوجد في الخطاب الذي سأستعمله إذا ما أصبح الحمل الدلالي homme  بمقتضى مقاصد الخطاب يتناسب تعلّقيا مع جنس الإنسان، نحو:
 ـ الإنسان حيوان ناطق. أو أنّ له مناسبة تعلّقية مع شخص معيّن، نحو: جاء رجل. وجاء الرجل. [...] فمع الحمل الدلالي تتحدّد المناسبة التعلقية في اللسان مادّيا [...] وأمّا التحديد الشكلي [...] فبواسطة تعيين الشكل الأقلّ أو الأكثر ماصدقية للعماد الدلالي، ويعتبر أثرا خطابيا[4] [...] وما يجري على الاسم، يجري على الصفة الحاملة للدلالة هي الأخرى [...] إلاّ أنّ الحمل الدلالي فيها لا يوحي بطبيعة العماد الدلالي في النظام اللغوي (د. ل3، 47 ـ 49، ً ص61 ـ 62، كتبنا كلام قيوم بحروف كبيرة).
   فتلك إذن حال خاصّة: فيها تُكتسب مناسبة تعلّقية داخلية للاسم ماديا في اللسان، وتُكتسب في الخطاب شكليا، فقط بعد تدخّل "ناظم الماصدق" الذي هو الأداة. توجد ثلاثة نقاط ينبغي حسمها:
 1 ـ تحدّث GG حول الأداة، ولكنّه سيدقّق ذلك في مواقع أخرى[5] إذ أنّ الأمر قد يتعلّق بضمير الملكية  أو اسم الإشارة القريبين من الأداة، رغم ثقلهما الدلالي، وإن كانا خفيفين مقارنة بالمحدّدات الأخرى.
 2 ـ تحدّث قيوم أيضا عن الأداة "ناظما للماصدق" في دروسه التي ألقيت في السنة الدراسية (47ـ49)، وأمّا في دروس سنة (54، وفي 56ـ57)، كما أسلفنا (أنظر الإحالة3 أسفله)، سيصلح العبارة المذكورة، ويستعمل مفهومي الماصدق (extension)، والاتساع (extensité): سنعود إلى هذين المفهومين (أنظر، ص21 أسفله، وص ص27ـ28 أسفله أيضا).
 3 ـ وفي الأخير وبالخصوص فكلمة "القدرة على الإيحاء"، أو "اشتغال العماد الدلالي"، تدلّ بالنسبة إلى الاسم على القدرة علي إمكانية الإحالة افتراضيا بواسطة مدلوله، على حقيقة خارج اللغة (أي مرجعه الذي يعلن طبيعته انطلاقا من اللسان)، والقدرة على الإحالة عليه مع تحقيق "موضوع ما" في الخطاب بالطبع أي موضوع الحديث، أو "موضوع" الفكرة محل النقاش: (فلا ننسى أنّه من خلال الدلالات المقولية (sémantèse) ـ جنس، عدد ـ يحدّد شخصا افتراضيا). ولذلك وجب تدخّل الأداة التي بمقتضى دلالتها على علامتي الجنس والعدد، تعيّن الشخص الفعال في الخطاب، (إي ضمير الغائب)، وكذلك تعيين اتّساعه  (extensité) (وهي الصيغة التي سيطلقها فيما بعد مصلحا بها عبارة الماصدق (extension) التي طالما استعملها)، ولكنّ الاسم في اللسان متصوّر ذهني:

    "[...] يحمل الاسم في اللسان كلّ أنواع الماصدق بالقوة. أمّا في الخطاب فلا يختار من بين أشكال الماصدق إلاّ حالته الموسومة بالقوة المتوقّعة. هذا بعد أن يختار من بين أشكال الماصدق التي يشتمل عليها، ذلك المناسب وقتيا، والذي سيكون اسما محقّقا أو اسما بالفعل، فهو إلى هذا الحد ليس سوى اسما بالقوة أو اسم فكرة، أو اسم مفهوم وليس اسم شيء ما. فقد قيل أنّ الخطاب لا يصلح إلاّ للإخبار عن شيء ما. فهو لا يخبر عن المفاهيم. إنّه يستعمل المفهوم للإخبار عن الشيء. فعندما يخبر عن متصوّر، يصبح ذلك المتصوّر بمثابة الشيء المتحدّث عنه" (د. ل1941ـ1942a، درس12/02/1942، 10ـ12، ما كُتب بحروف كبيرة من الدروس المرقونة).

    فبهذا يمكن الحديث عن التجديد الذي تحمله نظرية المناسبة التعلّقية عامّة، والمناسبة التعلّقية الداخلية خاصّة بمقارنتها بالتقاليد التاريخية: فمن المفترض أن يحيل الاسم افي اللسان إلى الذات أو الكيان الفردي، (بما أنّه يحمل جنسا وعددا) بهما يمكن أن يتمّ "إجراؤه" وتُعلن طبيعته، فهو يحيل في الخطاب الفعلي على "الشخص" المذكور بتحديد طبيعته، وأما الأداة فتهتمّ بوسم جنسها (اللغوي: إذ لاتوجد أيّة ظاهرة صرفية إعرابية في الاسم في الفرنسية تحدّد الجنس في اللسان، كما هي الحال في اللاتينية)، وأمّا العدد فأمره خاصّ بالخطاب حيث يوجد الشخص، والاتّساع الخطابي (أنظر ص1، 8، 16، أعلاه، والصفحتين 19، 20 أسفله). فقد أصبح "اسما متمكّنا". فالمناسبة التعلّقية الفعّالة للعماد الدلالي الشكلي الذي هو الأداة بمثابة "الطوق" الذي يكتسب فعّالية، بين اللسان والخطاب وفاعلية في الخطاب، حيث تصبح المناسبة التعلّقية الداخلية الافتراضية في الخطاب مناسبة تعلّقية خارجية فعّالة في الخطاب.   
                    
    فما عرّفه GG إذن هو مفهوم الإسنادية في الإسم أي "القدرة على الإخبار حول شيء ما، أو عن ذات ما". فنحن بعيدين عن دلالة "الإخبار عن" بعبارات من قبيل onoma/rhema, supositum/appositumرالتي لاتجري إلاّ على الإسناد في الجملة.

    فبنظرية المناسبة التعلّقية التي صاغها، يكون GG قد عبّر عن توجّه آخر يضاف إلى التفكير القديم حول تعريف "أقسام الكلام". فاكتشاف المناسبة التعلّقية الداخلية للاسم، توحي إلينا أخيرا بسبر علل الاسمية، وبأنّ النحو القديم المتشبّث بالمداليل المعجمية للأسماء باعتبارها تعريفات مادّية يعتبر أنّ الاسم يُستخدم لوسم ما يعتبر حشوا (tautologique) (وكأنّ الصفة، والفعل، والظرف، فضلا عن ذلك لاتتسم بهذه الصفة)، وأنّه وصفي بالأساس باعتباره قائمة تحكمها الصدفة قبل أن تكون شاملة (أنظر الزمن لقيوم: "الاسم أو الإسم هو الكلمة التي تستخدم لتعيين "تسمية" الذوات الحية أو الأشياء" (Grevisse، 1955، ص235)، وامّا في الطبعة الحديثة "فهو حامل لدلالة: ويعيّن اسما محسوسا إلخ"، ملحق لقائمة تصنيف الاسماء (1993، ص452)، وأمّا الصفة فقد اُعتبرت كلمة "تعبّر دلاليا عن طريقة وجودية، عن وصف للكائن، أو للشيء المعيّن للاسم والمنطبق عليه" (Grevisse1993، ص820)، وذلك ما وُسم بالحشوية أو العفوية: فهل سيجري ذلك على سجادة حمراء (أي الصنف؟)، و"طفل أشقر" (أي الصنف، وكيفية الوجود؟، ولمزيد التعمق يُرجى الرجوع إلى (Vassant 2005).

    ويذكر لنا GG إنّ الكلمة تكون اسما لأنّها (من جهة تولّدها المعجمي والنحوي،  تحمل في مدلولها طبيعة ما توحي به، وتكون صفة بما أنّها يمكنها من نفس المنطلق أن تُحمل على كلّ أنواع الأعمدة الدلالية غير الواضحة من جهة المدلول، والتي تستخدم في مستوى الحمل الدلالي للمعلومة من خلال المدلول المذكور. فمثلما أنّ العماد الدلالي هو "الشخص"، والمرجع الذي يخبر عنه الاسم، فإنّ الصفة ستقتصر على الحمل الدلالي للاسم الذي سيعيّن مع الأداة، في الخطاب مرجعا فعّالا. إذ أنّها تحمل معلومة حول هذا المرجع دون أن يوحي ذلك بأنّها تغيّر معنى المرجع (كما يصوّر البعض)، وإنّما تُضيف خاصّية خطابية لإدراك الإسم من أجل تخصيص أفضل للمرجع، نحو: "أراهن على الجواد الأسود الداكن" إذ تقتضي هذه الجملة وجوب وسم "الجواد" بالإحالة على لونه.

   فجهات تحليل الاسم مثلا تتمثّل في كونه فكرة معيّنة لمصطلحات معدودة أو على غير ذلك، فـ Grevisse في أحدث طبعة له تحدّث أيضا عن "الأسماء المحسوسة" في حين أنّ المرجع هو "المحسوس"، وكذلك في حال كونه التماسا لاستعمال محدّد ما، أو لأيّ استعمال آخر حسب مقتضى الحال، أمّا بالنسبة إلى الصفة فمن جهة المعنى في ما توحي به من خلال عماد دلالي خطابي ما، وبالنسبة إلى الفعل فمن جهة الفرق بين الحمل الدلالي الخاصّ به والحمل الدلالي الخاصّ بالصفة التي تشبهه لكونها جزء من مناسبة تعلّقية خارجية من درجة أولى في بعض أشكالها، باختصار فإنّ خصوصية كلّ"قسم من أقسام اللسان"، والآثار المعنوية المتعلّقة بنشاطه الخطابي، تشملها عبارة المناسبة التعلّقية، من خلال مجالها التعريفي (لسان، خطاب، فضاء، زمان)، أو من خلال مستوى الدرجة.

    عرّف Saussure "العلامة" اللغوية على ما نتذكّر بالعلاقة بين الدال والمدلول، وبذلك يكون قد أصلح تعريفه الأوّل الذي كان قد قدّمه بعبارتي متصوّر ذهني وصورة آكوستيكية. ولكن هذا التعريف بقي ناقصا. وطبعا يوجد سبب germe من خلال مفهوم القيمـة، وأخر من خلال مفهوم انحصار الاعتباطيـة، وكذلك سبب آخر يتعلّق بـ"مفهوم إوالية اللسان" (أنظرCLG القسم الثاني من الفصل الرابع)، يعتبر بداية لنظامية الأعمال، ولكن يبقى ذلك مشدود إلى مبادئ عامّة.

   إنّ إدراك وجود نظام للسان أو نظام أنظمة من بينها نظام "الكلمة"، وذكر النظرية بتوضيح نوعية المبادئ المنشئة لتولّد الكلمات ذهنيا كي توظّف كما حدّدوا لها، من الناحية الشكلية والمادية، ومن جهة المدلول المعجمي والمدلول النحوي ممقول بهذه الطريقة، وتلكم هي الإضافة المتحقّقة بواسطة النظرية القيومية[6]


[1] - يوجد في كتاب (J S) الصادر 1944، ص53) بعد وفاته مقال حول الموديسيين، يعرض تحليلا مفصّلا لخطّتهم العقلية، نحيل القارئ عليه، كما نحيله على كتاب دقيق لـ Irène Rosier حول الموديسيين أيضا، صدر سنة 1983.

[2] - فكلّ هذا التقارب يحثّ على التفكير في أنّه على عكس ما قال MW (أنظر ص17) فإنّ GG قد قرأ Beauzée.
[3] - سنحدّد الاستعمال الذي خص به قيوم عبارة "الوصف qualification": فيستعملها حيث يمكننا استعمال عبارتي " التسمية dénomination" و"النداء appellation"، ويقول في (د. ل6، 45 ـ 46، ص194) "[...] انجاز التقنية الخاصّة للتحليل الذي أسمّيه لسانيات المَوْضع" وفي (د. ل15، 51 ـ 52، ص115) "تضعنا اللغات في كنف أعمال إجرائية تندرج ضمن الفكرة العلمية الخطابية، وتنبعث من الآلية التي أصفها بالآلية الحدسية" (ما كُتب بحرف كبيرة).
[4] - فـ K. Llinski الذي تساءل حول دور الأداة (2003، 2، 54)، سيجد بدون شكّ تأكيدا لأفكاره في هذه الصفحة القيومية.
 و D. Van Raemdonck الذي صرّح باختياره النظري في قوله "نفضّل من منطلقنا الانخراط في نظرية Wilmet) 1986) التي تعتبر المحدّد كلمة ذات ماصدق غير مباشر، عواسم للاتساع" (2001، ص134، والإحالة2): بالمعنى الذي أعطاه MW للعبارة (أنظر الإحالة2 أسفله، وص27 أعلاه). وسيفصل، مثله في ذلك مثل MW مستوى اللسان (حيث تكمن طبيعة الكلمات) على مستوى الخطاب (حيث تتحقّق الوظائف)، واقتصار عبارة الماصدق على اللسان، وعبارة المناسبة التعلّقية على الخطاب إذ أنّ "الماصدق المميّز خاصّية تسمح بالتكهّن بالشروط وأصناف الاستعمال الممكنة" (1997، ص362). والحال أنّ ما يعيب على نظرية المناسبة التعلّقية بالخصوص هو كونها تقوم "بتطبيق شروط التالي وهو الخطاب على الأول وهو اللسان" زيادة على ذلك "أيمكننا نظريا أن نعتبر أنّ ما يفصل بين جزأين في النظام اللغوي هو توقّع ما سيكونان عليه في الخطاب، أو افتراض مناسبتيهما التعلّقيتين الخطابيتين في اللسان؟ وهل يمكننا استعمال مقياس افتراضي في اللسان  لتعريف مصطلح عصري في اللسان (...."في الخطاب"؟) (1997، ص359ـ360). نتمنّى على الأقلّ قليلا من التماسك بين الحجج التي من خلالها نرفض، والتي بها "نختار". فضلا عن ذلك، إنّ جعل المركّب الاسمي الفاعل مركّبا ذا مناسبة تعلّقية داخلية باعتباره عمادا دلاليا للفعل، والمركّب الاسمي المفعول، ذا مناسبة تعلّقية خارجية (من درجة ثانية....مثل الظرف، في حين أنّ وظيفة المفغولية وظيفة اسمية، وتعلّقية (أنظر الإحالتين 26ـ27) بما أنّه متمّم؛ لا يوحي بما يؤكّد وجود مناسبة تعلّقية داخلية في حال، وخارجية في حال أخرى. وهنا يكمن المشكل الذي سنتقصّى والذي بقي ضبابيا عند Wilmet  وRaemdonck. ومن الواضح  إذن أنّ "العنصر الخاضع لعملية المناسبة التعلّقية l’incident عند Wilmetو تلاميذه، وكذلك عند Tesnière الذي تحدّث عن "مناسبة تعلّقية دلالية" (1982، ص43)، تعني "التامّ complète"، أو "المرتبط بـ se rapporter à" كما هو الحال في النحو القديم. فقد وقع التخلّي إذن عن مفهوم الإسنادية والإسناد، وعن آلية اللغة الحركية، وإنشائية الإنتقال لسان/خطاب للكلمات التي بها يتجلّى مفهوم الاقتصاد ـ ( وهو مفهوم غالبا ما يذكره GG في كتاباته ـ وكذلك وقع التخلي عن توليد اللغة. لقد حوفظ على لفظ المناسبة التعلّقية مع تحوير المعنى الذي وضعه GG للمفهوم، وذلك ما يؤدّي إلى تشويش في معنى المفهوم قد يضلّل زملاءنا وطلبتنا. (أنظر الإحالة11 أعلاه).       
[5] - (أنظر من فضلك (د. ل5، 65ـ57، ص197) حديثه حول تجريد الأداة dématérialisation de l’article مقارنة بالمحدّدات الأخرى، وانظر كذلك Moignet 1981، الفصل2، المعنون بالملكية والمحدّدات، و"المقالات الأخرى". نشير إلى أنّه، في الفصل المذكور عالج Moignet الأداة الصفر جريا على آثار GG.
[6] - ميّز Beauzé في (Swiggers 1986، ص49) بين المدلول المعجمي والمدلول النحوي: "فمن الشائع أنّ للكلمات [...] جذر توليدي مشترك يمثّل الصنف المادّي للفكرة الأساسية التي تمثّل الكلّ، إلاّ أنّ هذا الجذر مصحوب بزوائد وصرافم تصريفية إعرابية تحدّد باختلاف الكائنات اللغوية، وفي نفس الوقت تحدّد الدلالة الشكلية. وهكذا فإنّ الجذر المشترك الذي نجده في aimer, amitié ami, amical, amicalement, ، هو صنف للمعنى الموضوعي المشترك بين كلّ هذه الكلمات التي تتمثّل فكرتها الأساسية في الإحساس العاطفي الرابط بين الناس، ولكن مختلف الزوائد التي تُضاف إلى الجذر مجتمعة، تعيّن اختلاف الكائنات والفروق المعنوية الشكلية المتعلّقة بها" (ميّزنا كلام قيوم). فقيوم على عكس ما قال MW، قد قرأ Beauzée بالتأكيد (أنظر ص17، والإحالة17 كذلك)، ولكن تنظيره للأعمال يتجاوز ما أثبت Beauzée بما أنّه يرتقي إلى حدّ النظامية، حيث تتعرّف الكلمات وإلى إوالية الفكرة التي منها قد تتولّد الكلمات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


الحقوق محفوظة لمدونة الحروف ©2013-2014 | اتصل بنا | الخصوصية