الأحد، 22 فبراير 2015

قراءة في النظام الحانوتي وردوده (الجزء 1)

  
 نشأ السنن السياسي ذو الطابع القبلي مع بداية فرض الديموقراطية على العالم المتخلف في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وبما أننا نوسم "بالسيبة" منذ زمن بعيد، ونعتبر أوفياء للعادات والتقاليد البائد منها، وغير الصالح بالأساس؛ انغمسنا في النهج الجديد بنهم دون أن نميز بينه ومعاييرنا الغثة حتى أصبح نهجا ملائما خاصا، وبات منتقده مجنونا بل مرتدا. فتبدلت المفاهيم والمعايير الصالحة التي كان الأجداد والمجتمع الشنقيطي يعتمدونها وحلت محلها مفاهيم غريبة. أصبحت الرجولة تطلق على المزور ناهب المال العام الذي يتقلب في المناصب السامية مكافأة له على العمل المتقن الذي يقدمه في حق المؤسسة الاجتماعية. وأما المستقيم الساهر على المصالح العامة فـ"مبيدل" و"ازويكل"، لا مكان له في المنظومة. وكل المجتمع يزدريه وينظر إليه بالدونية.


   وما يدعو إلى الغرابة والعجب أننا في ظرف عقدين من الزمن زرعت في ذاكرتنا الجمعية كل هذه الأمور السلبية. و الأغرب من ذلك أننا منذ الـ60نيات نطمح إلى بناء دولة ولكن لم ننجح في ذلك فهيأتنا لا تتناسب والانتظام، وتفكيرنا يأبى تأسيس الدول. ومع ذلك يتوفر عندنا كل شيء عدى مقومات الدولة. لماذا يا ترى؟
  أظن أن لكل فرد في المجتمع الموريتاني طريقته في الإجابة ولكن من الأكيد أن هناك إجابات ستتكرر كاللازمة أو الروي. وهي أن سبب عدم مقدرتنا على بناء دولة على غرار كل شعوب الأرض الأخرى هي استفحال البداوة في مجتمعنا؛ وانقسامها إلى: بداوة بدوية وبداوة حضرية.

   ويبدو أن للثانية أي البداوة الحضرية نصيب الأسد في هدم مقومات الحضارة فينا وقتل نظرية "النشوء والتطور" عندنا؛ بما أن معظم رجالات الدولة ممن أفلسوها منذ انقلاب 10 جويلي 1978 ينتمون إلى البداوة الحضرية؛ فمنهم جل السياسيين، والمثقفين الذين أضناهم "الكوس" وهتك فكرهم احترام الكثير من العلاقات الاجتماعية التي أصبح الامتثال إليها من باب المعتقدات الداخلة في حيز العادات والتقاليد؛ ومنهم شباب أراد أن يشتغل في مقتبل العمر بعد أن فك شفرة طرق جني المال والجاه والغنى المتسارع في البلاد؛ ومنهم جل الأنظمة الأمنية العسكر والحرس والدرك والشرطة بفصيليها المتناحرين والديوانة .. إلخ.

   نشير إلى أنه ليس كل هذه الفرق متساوية في الحظوة أفقيا وعموديا في غبن المجتمع الموريتاني وإنما توجد معايير أخرى داخل الفرق وفيما بينها. إذ يتم انتقاء شخصيات بعينها بخصائص أخرى (VIP) أظن أن الجميع يعرفها، (النسب، القبيلة، والبشرة إلى حد ما، ...). ولكن شهادات من الداخل ما فتئت تظهر بين الفينة والأخرى نتيجة الترحال السياسي الذي لصق في مخيلتنا نتيجة ميكروزوم الرحيل الجاثم في لاوعينا الجمعي والموروث من البداوة الأصل، بالاضافة إلى الحرية المطلقة التي تشوبها فوضوية أظن أن للسيبة التي طبعت "تاريخنا" الحديث والمعاصر، إن كان هذا التصنيف جاريا علينا، ضلع كبير في ذلك.

   نعم إنها خصائص طبيعية استوحاها "الإنسان الموريتاني" من محيطه المتصحر الجاف المغبر، فلم يستطع التدخل من أجل إرساء منطق ولو بسيط يجري على "لا منطقية الطبيعة" إن جاز لنا قول ذلك، خاصة أن جان جاك روسو في "خطاب إعلان الإيمان"، اعتنق عقيدة ما أسماه بعقيدة الدين الطبيعي. والكل يعلم في هذا المجال أن الطبيعة تقوم على تناسق وانتظام محكم على الرغم من أن بعضها يتغذى على بعض. ولكن هذه الفوضوية النظامية حسب فهم الانسان القاصر بالفطرة أكثر عدلا وتماسكا وانسجاما مع الطبيعة ومبادئها من بطش الانسان "الظلوم" "الكفور" "الجهول" على الرغم من المركزية التي حباه الخالق بها عندما اختار "الأمانة".

  انطلاقا من هذه المسائل سنحاول قراءة "النظام الحانوتي" في تمظهره الثلاثي الذي أثار العديد من الإشكاليات غير الموضوعية في مجملها على الرغم ما احتماله هو الآخر ثقرات ضعفت فيها حنكة الرجل في محاكمة العقود الأربعة ونيف الأخيرة التي طبعت الدولة الموريتانية أو الدول التي تعاقبت على المجتمع الأهلي الموريتاني.

   سوف نعالج القضية في محورين اثنين
1- المسار الحانوتي
2- الردود على المسار الحانوتي

1- المسار الحانوتي:

   صحيح أن كل نص له خلفيات وأسباب قادحة جعلت كاتبه يتجشم الكثير من الصعوبات من أجل وصف حالة أو إبداء رأي مساندا أم منتقدا. ويبدو من خلال ما قرأنا في "المواقع الموريتانية" أو وسائل الاتصال الاجتماعي أن السبب المباشر في النظام الحانوتي هو: افتقاد الدكتور الشيخ ولد حرمة عضو المجلس الوطني والمكتب التنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية السابق لمركزه الحزبي، عندما شطب اسمه من اللائحة الوطنية لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية. ويبدو أنّ بيانا جديدا نشره حزب الاتحاد من أجل الجمهورية نفى هذه الأطروحة معتبرا أن بعض الأصدقاء "دبجوا الدعاوى بلا بينات، على تلقيهم وعودا من قيادة الحزب بتبوء مواقع متقدمة على قوائم الترشيحات، ثم خابت تلك الظنون" (بيان حزب الاتحاد من أجل الجمهورية). وأضاف البيان مؤكدا انسحاب الطبيب من الحزب بطريقة مفاجئة ذاكرا "أن بعض الأصدقاء الذين كنا ننعم بوجودهم معنا ونقدر لهم دورهم في الهيآت العليا، قرروا فجأة الانسحاب من الحزب من تلقاء أنفسهم" (البيان المذكور). وقد ذكرنا أن المشار إليه في البيان الدكتور الطبيب نظرا لقرائن عديدة منها ما استشهدنا به ومنها ما ورد واصفا لما أثارته المقالات من ردود وانتقادات.


   والغريب في الأمر أنّ رسالة الاستقالة التي قدمها الدكتور والتي لم يوضح فيها أسباب الاستقالة ذكر فيها أنه يجد نفسه "مضطرا لأسباب لا تخفى عليكم" يقصد رئيس الحزب محمد محمود ولد محمد الأمين "ولا داعي لتناولها هنا، لتقديم استقالتي من عضويتي في المجلس الوطني والمكتب التنفيذي لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية" (الأخبار 60-11-2013). إذن فالآراء متضاربة والحقيقة لم تتضح بعد مثل حقائق عديدة لا نزال نضع عليها علامة استفهام. ويبدو أنّ مقالا جديدا لمحمد المختار ولد أحمين أعمر قد جاء باتهام جديد من تنسيق أخبار متفرقة أو رحلات مختلفة في سيناريو محكم ذكرنا بتميم الديري أو قصة الخضر إلياس مع موسى عليه السلام لا من حيث المضمون وإنما من حيث الترحال وحبك الوقائع. فقد ذكر ولد أحمين أعمر أن قضية الخلاف بين الدكتور والرئيس تعود إلى اختفاء ثلاثة أجهزة طبية من أصل ثلاثة مائة جهاز طبي Arrivages مستورد، خرج الرئيس باكرا في سرية من أجل الوقوف على عددها. (عزيز يتحدث عن علاقته بقبيلته وعن القطيعة مع ولد بوعماتو)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق


الحقوق محفوظة لمدونة الحروف ©2013-2014 | اتصل بنا | الخصوصية