ب.1- النظام الحانوتي/2: استلهام مفهوم النظام الحانوتي لقدرات الوكاف التزييفية
انطلق المقال الثاني أي تحليل ما جاء في الاستهلال بسورة التوبة/114 ودائما مع قصة إبراهيم. ولكن هنا ركز الدكتور على إقلاع إبراهيم عن الدعاء لأبيه والتبرؤ منه لما تبين له عداؤه للرسالة التي جاء بها. ومن هنا نستنتج إذا ما حاولنا الرجوع إلى النظام الحانوتي أن الباحث وقف على حقيقة مفادها أن ما كان يتوخاه من الحاجب أصبح بمثابة مطاردة خيط دخان. ولذلك أقلع عن محاولته اليائسة وأخذ في البحث عن بديل، وليس في الأمر تناقض مثل ما يظن البعض، حسب تسلسل قصة إبراهيم، وحسب تناسق الوكاف - وليس هو الوزير الأول كما أشار إلى ذلك الحاج ولد المصطفي في "أسئلة وملاحظات (حول المسار الحانوتي)" بفهم متعجل نوعا ما - مع النظام الموريتاني؛ وما يعكس ذلك من خلاف بين كتابات الرجل وهو في رحم النظام مع كتاباته وهو يصفه بالحانوتي. وبالتالي يبدو أن الرجل كان ينتظر طفرة النمور الآسوية فوجد نفسه في الصومال، أو خارج التاريخ.
أردف الدكتور الآية بملحة نُسبت للعالم الجليل حمدن رحمه الله عندما أراد "احْلِيبْ لَكْبَاشْ" خطأ، ولكنه خرج من القضية بنكتة وظفها الطبيب من أجل تناسق الأفكار ورسم طريق خاص في الكتابة يستدل به عليه. فليس العيب في من يعيد إعادة ترتيب أوراقه عندما يتبين له الخطأ، إنما العيب في التمادي فيه. وأظن أنه هنا يريد أن ينأى بنفسه عن أولئك الذين يلتحفون بظل الأنظمة المتعاقبة على البلاد سواء الانقلابي منها أو القادم بالاقتراع وهو قليل.
ينفي الشيخ ولد حرمة عن نفسه أن يكون حانوت أدويرة قد منحه صيتا جديدا أو تألقا يكمل صورته بناءا على افتراض تنبأ به نظرا لما ستثيره كتاباته من ردود فعل. ويبدو في هذا السياق أن حانوت أدويره أطلقها هذه المرة على نظام الرئيس عزيز باعتبار أنه لم يدخل في مساومة مع أي حانوت من الحوانيت التي سبقت الرئيس عزيز. وليست هذه هي الإشارة الوحيدة التي تجعل قارئ الدكتور الطبيب يسقط النظام الحانوتي على هذا النظام.
فقد أشار الطبيب إلى أنه لن يركز في نظامه الحانوتي إلاّ على ما يخدم منهجه الحالي في اعتراف يمكن أن يقتل في القارئ سمة الباحث الاجتماعي وهو أمر لا نتفق في معه لما وجدنا من تركيزه على خلع هذا المفهوم على النظام الحالي وحده على الرغم من أن ملامح وكاف حانوت ادويرة لاتزال بارزة فيه باعتبار أن التحول الاجتماعي لا يحدث بين عشية وضحاها، خاصة أن هذا النمط من المحسوبية والتزوير ونهب أموال الناس بالباطل لازمنا منذ عقود، ولا يزال مستفحلا باعتبار أن القانون الموريتاني لا يسأل عن مصادر غنى الموريتاني مهما ما استدعت من شبهات، فكلنا يعرف القضية، فقد أفلست البنوك، وفر الموريتانيون من الخليج والصين وتركيا وإفريقيا بأموال أناس أمنوهم عليها، أضف إلى ذلك المواد الغذائية والأدوية المنتهية الصلوحية والمخدرات، .... وكل السموم التي سببت أوبئة وأمراض السرطان كان سببها التجار الموريتانيين الذين لا يهمهم سوى الربح.
فالمجتمع الأهلي الموريتاني عاش فترة من التمويه والميوعة والنفاق والتزلف جعله يتذلل للغني مهما كانت مصادره وللحاكم بغض النظر عن شرعية حكمه. ومن هنا نقول إن تبجح الناطق باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في البيان الذي نشرته الطواري من أن حزبه "هو أكبر الأحزاب الموريتانية وجودا في الساحة السياسية" ينبني على مغالطة كبيرة باعتبار أن الشوط الأول من الانتخابات التشريعية الماضية بين العكس، وليس انتشار الأحزاب الفرعية الداعمة للبرنامج إلا دليلا واضحا على عدم رضى الكثير من القادة السياسيين على القادة الكرتونيين لهياكل الحزب، على الرغم من أننا لا ننكر تمسك رئيس الجمهورية بإشراك الشباب من أجل تجديد الساحة السياسية المهترئة، خاصة أنه دعا مائتا شاب من أجل نقاش تنموي قد تكون له قيمة كبيرة لو كان المتحكمون فيه نزهاء. ومن الأكيد أن الكثير من الشباب سيملأ الاستمارة والكثير منهم سينظر إليها بازدراء باعتبار أن القائمين على اختيار الأشخاص لهم أولاد وأقارب وأصدقاء سيرسلون هم أسماء ..... "الغناية ألّتعَرْفُو".
وقريب مما قام به الناطق باسم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ما وجدناه عند ولد محمين أعمر في قوله: "أي منا نحن السياسيون خلال الأسبوع الثاني من الحملة الرئاسية يمكنه أن يكاشف إدارة حملته بالقول أنه لن يوفر الموارد ولا مكبرات الصوت، فمن شاء فليمض ومن شاء فليترك؟ وأي منا كذلك يمكنه قبل الاقتراع بثلاثة أيام أن يصارح وجهاء من المجتمع التقليدي يريد أصواتهم وأصوات خلفياتهم الشعبية، بعكس ما يريدون ويهدد أبنائهم بالسجن؟" متناسيا أن الرئيس على رأس "المجلس الأعلى للدولة" من سنة أو تزيد. فلا غرابة أن تكون له سلطة وهو الجنرال المقال، ولا غرابة أن يهابه رجال حملته في أرض امتهن أهلها ركن الطواف بالحاكم.
بدأ الدكتور يبرر سبب تغيير مواقفه في ما أسماه "إعلان التوبة"، ذاكرا آياتا تتضمن التوبة والاستغفار وطلب الصفح من المعارضة لما صدر منه في مقامه الأول أي النظام مدعيا أنه كان يتوسم الخير فيه وأنه فهم، لا على غرار المخلوع المتهم بالهروب وإنما على غرار التائب المستغفر من الذنب الساعي إلى فتح أبواب جديدة مع خصوم الأمس بعد أن تحول الأصدقاء أعداءًا بموجب الحرص على الوطن حسب ادعاء الدكتور. فللرجل أدلة عديدة على سقطات النظام. فذكرت الإنجازات في المرحلة الأولى، مرحلة التناغم والانسجام، أما وقد حصل الطلاق فقد حان وقت "الجّفْ".
نعم أرى أنّ المرحلتين تكملان بعضهما، مرحلة لم يرى فيها الشيخ سقطات النظام بناء على نزوله منزلة العاشق الولهان الذي يرى في عيوب المعشوقة حسنات، لما عانه تحت حكم ولد الطايع. وفي المرحلة الثانية انقشعت الغيمة وسقط القناع فإذا بآدم وحواء في العراء بعد الرضوخ لصوت إبليس .فماذا يا ترى سبب تعرية الشيخ ولد حرمة للنظام في أبشع صوره "وكاف حانوت أدويره"؟ أظنه غامض غموض الرصاصة.
إن خروج الرجل وطلبه الصفح من المعارضة لم يذهب به إلى الاصطفاف إلى جانب دعاة الثورة باعتبار أن عوائق عديدة تحول بينه وبين هذه الدعوة المتضمنة لقدر كبير من السذاجة. إذ أن للنظام وسائله القمعية؛ وللثورات الحالية فوضوية أفسدت جل الثورات؛ ثم إن المجتمع الأهلي الموريتاني لم يصل درجة من الوعي تخول له تبني الأفكار الثورية، أو تشفع له إن دخل المجال الثوري أبشع تجلياته. فليبيا وسوريا ومصر مثال حي على ذلك، باعتبار أن نجاح تونس كان نتيجة توفر تلك الشروط وابتعاد العسكر عن السلطة وذلك ما لم تنعم به البلدان التي أضحت لعنة على الثورة والثوار. ولن ننعم به نحن الذين نبتعد أشواطا وسنين ضوئية عن المجتمع الدولي رغم قيادتنا الحالية للاتحاد الإفريقي.
قارن الطبيب بين الحالة الراهنة والحالة التي جاءت بانقلاب 9 يوليو 1978، معتبرا أن بينهما تشابه كبير مما جعله قسم الانقلابات العسكرية إلى دائرتين اثنتين: دائرة الصف الأول "وهي عادة دائرة صغيرة، من المفترض أن لا يُسمح بوجود أبواب و نوافذ فيها" (النظام الحانوتي/2)؛ ودائرة الصف الثاني "فهي التي تحركت في 8 يونيو 2003، وهي دائرة تصعب السيطرة عليها، بقدر ما أن نتائج تحركها تعتمد أيضا على مستوى من يؤطرها نظريا على فكرة التغيير" (النظام الحانوتي/2). ويبدو أن بعض مثقفي "بَنَافَه" على غرار تسمية الداعية الكبير محمد ولد سيد يحي يهرولون إلى العسكر من أجل تغيير الأوضاع و"اختصار الطريق". ويبدو أن شخصيات معروفة ذكرها الطبيب كانت تقوم بدور المقاول في هذا المجال ولكنها حسب الطبيب لا توفق في اختيار "المنقذ" باعتبار أن ما بني على الباطل فهو كذلك.
يسعى الرجل إلى محاربة بعض السياسيين الذين يلجأون إلى العسكر رغم أنّ المؤسسة العسكرية تشمل الكثير من القادة الوطنيين الذين يريدون الخير للبلاد والعباد. ورغم أن هذه الأبعاد التي تحدث عنها صاحب المقال تحمل سمات التغيير الانقلابي الذي دأب على طلبه بعض المثقفين فإن الشيخ لا يرى أن البلاد في حاجة إلى انقلاب آخر لا باعتبار أنها حطمت الرقم القياسي العالمي في هذا المجال فحسب، وإنما حان الوقت ليكون مصدر التغيير الوحيد عندنا هو صناديق الاقتراع وبنزاهة. ومن هذا المنطلق أشار الطبيب إلى أننا في حاجة ماسة إلى قراءة تجارب العظماء المؤسسين للأمم العظيمة وحركات التحرر في القرن العشرين؛ مع العلم أننا ندرس هذه الأمور في الباك ولكن لا حياة لمن تنادي.
يختم الطبيب مقاله الثاني بعد الحديث عن تقبل المجتمع الأهلي الموريتاني للانقلاب الأخير الذي أحدث منعرجا خطيرا ووسم بوادر الديموقراطية في البلاد بميسم ساخر أضفاه عليها العالم بعد ان أشاد بما حصل من تسليم العسكر للسلطة بسؤالين خطيرين أحدهما استنكر فيه ما وسمه بخيانة النظام لرأس المال الخليجي والارتماء في أحضان إيران التي فتحت جبهات تشيع عديدة في البلاد، وتساءل في الثاني عن جدوائية رجوع البلاد إلى مستنقع حرب الصحراء. وهنا نشير إلى أن البلاد ينبغي أن تنتهج نهج الصديق لجميع دول العالم باعتبار أننا في حاجة ماسة إلى التجارب والخبرات في حين أننا لا ينبغي في نفس الوقت أن نتخلى عن المجتمع الموريتاني الصحراوي الذي تربطنا به روابط اجتماعية وثقافية وعرقية بالقرابة أكثر من العلاقة التي تريد المملكة المغرب فرضه عليه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق